يعتبر الروائى مصطفى الشيمى أن الكتابة صورة من صور الهرطقة، أى كتابة إذا لم تحاول كسر المنظور السائد، وتحاول خلق سائد جديد، وتكسره مرة أخرى، لا تستحق أن نتوقف أمامها طويلا، وهكذا، كلما زادت الحياة قبحا ورتابة، علينا أن نعالجها بالكتابة والفن.
مصطفى الشيمى صدر له رواية «حي» عن دار العين، والمجموعات القصصية «بنت حلوة وعود» عن دار الربيع العربي، «مصيدة الفراشات» عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، وفاز بعدد من الجوائز الأدبية من بينها جائزة أخبار الأدب عن رواية باب الغريب، دورة ٢٠١٦، جائزة دبى الثقافية عن مجموعة بنت حلوة وعود، دورة ٢٠١٥، جائزة المجلس الأعلى للثقافة عن مجموعة ليلى والفراشات، دورة ٢٠١٥
* جاءتك فكرة الرواية كحلم فى البداية، هل يمكن من ثم أن نعتبر تلك الرواية رؤية تتناحى مع نصوص مقدسة؟
– لا أستطيع أن أشهد لنفسي، ولا يفعل هذا سوى المدعين والأبالسة. لستُ نبيًا أو إلهًا للسرد، ولا أظن أننى من طينة أخرى. أنا مجرد كاتب.. أجتهد كثيرًا، وأمزق النصوص التى لا ترضيني، وقد أعمل على كتابة تطول لسنوات. أعتقد أن الكتابة هى ابنة العتمة وما يدور فى الكواليس، وأننا جميعًا فقراء على أبوابها. من أجل ذلك أؤمن بمقولة فاليرى بأن الآلهة قد تجود علينا بمطلع قصائدنا لكن علينا نحن أن نكملها من بعد ذلك.
لا أنكر أن سورة الأفعى تتماس مع النصوص المقدسة فى بعض فنياتها، وأنها انفجرت فى رأسى مثل وحيّ، لكننى أعتقد أن سر قدسيتها الأعظم هو طموحها وسعيها نحو الخلود، قد يخيب هذا السعى وقد تصل إلى ما تريده، الزمن هو رهانها.
* ثمة مفهوم شائع فى التصنيف الأدبي، بين رواية واقعية ورواية غرائبية، لكنني، حين قرأت روايتك، لم أبال بتلك التصنيفات، هل تعتقد أن هناك تصنيفات كهذه فى الأدب، أى هل يمكن أن نطلق على روايتك رواية غرائبية، دون أن يكون لها علاقة بالواقع؟
– يعرفُ النقاد جيدًا أن الأعمال الأدبية العظيمة تسبق النقد بخطوة، من بعدها يأتى دور الناقد لقراءتها من داخلها، والإمساك بألعابها وحيلها الجديدة وبأدوات جديدة كذلك. إذا كانت سورة الأفعى عصية على التصنيف، فهذا يعنى أنها ابنة نفسها، لا ظل كتابة أخرى تسبقها، وتمتلك ظلها الخاص.
كان لسورة الأفعى حظًا كبيرًا من الاحتفاء النقدي، على سبيل الذكر فإن نقاد مثل صلاح السروى ومدحت صفوت قد وصفاها بالطيفية أو الشبحية، وهو مصطلح غير متداول بكثرة فى النقد العربي، والناقد عمر شهريار وصف بنيتها بأنها مثل متاهة جحا، والناقد سيد ضيف الله تناول البعد الفلسفى فيها وأسئلة العلة والكيفية: لماذا خلق الله العالم؟ وكيف نعيش فى هذا العالم؟ أما الناقد شوكت المصرى فقد تناول لعبة الكولاج فيها والناقد محمد سليم شوشة أشاد بامتلاكها لطاقة سرد عظيمة. وبشكل عام فإن شعراء مثل أسامة جاد ومحمد حربى وأسامة حداد رأوا أن سورة الأفعى رواية حداثية بامتياز، وتحدثوا كثيرًا عن انتصارها لشعرية النوع الأدبى وإذابة الحدود بين الأجناس ضد فكرة نقاء النوع.
هذه القراءات جاءت لتؤكد أن سورة الأفعى خلقت غرائبيتها وأطيافها من الواقع المفكك، وإنها أعادت خلق العالم بشكل فني، وأن ظل الواقع يتجلى فيها بصور أخرى.
* هل يمكن أن نقول عن سورة الأفعى أنها ابنة الهزائم التى يعيشها جيلنا؟
– نعم. أعتقد ذلك. يمكننا أن نرى الهزيمة فى كل أبطال النص: الشيخ والأحدب والغريب والبابلي، الذين يخوضون حروبًا تحكمها الشهوات والغرائز دون أن ينتصر أحد منهم فيها، تبدو فكرة الحرب غريبة وغير مفهومة، دون الرجوع إلى التاريخ الساكن فى خلفية النص. ابتداء من محاولة الإسكندر تشييد مدينة فاضلة وخلق عالم أجمل عن طريق الدم. لم تكن الهزيمة من نصيب جيلنا فقط، فالرواية ترصد فى الهامش الحروب والثورات والهزائم التى دمرت الشرق الأوسط: الإسكندرية والحرب العالمية الثانية، مذابح الأرمن، ثورة يوليو، هزيمة العراق، وثورة 25 يناير. أعتقد أن سورة الأفعى تجسد هزيمة الإنسان فى كل زمن، منذ أن حلم بعالم أجمل أو مدينة فاضلة تتسع لنا، وهو حلم مرهون بالخسارة دومًا.
* روايتك رٌشحت لجائزة ساويرس، بل إن بعض النقاد رشحوها للبوكر، فى اعتقادك، ما الذى تضيفه الجوائز للكاتب؟
– فزت بثلاثة عشرة جائزة، فى كل مرة أفوز فيها أقول لنفسي: إنها ضربة حظ. أعرف أن الجوائز يانصيب؛ كتابة جيدة مع الكثير من الحظ. لكننى أدين بالفضل لكل الأساتذة النقاد والأدباء، الذين كانوا سببا فى فوزى بجائزة ما، دون أن أعرفهم، ودون أن يعرفوني، فقط انتصروا للكتابة الجيدة. إلى هؤلاء الأفاضل العظماء أنتمي. إذا كانت الجوائز تهب الدافع المادى والمعنوى عند الفوز بها فأنا أمتن كثيرًا للجوائز التى خسرتها أيضًا، إذ تدفعنى للغضب وكتابة نص أفضل، وما دمت أكتب نصًا أفضل؛ فأنا الخاسر الفائز.
لا أعتقد أننى سأتوقف عند الجائزة رقم 13، فهو رقم شؤم. سأصل قريبًا إلى الجائزة رقم 14، خاصة أن هذا هو رقمى المفضل.
* يقول أمبرتو أيكو أن الرواية يمكنها أن تقول ما لا تقوله الأعمال الفلسفية والنقدية، إلى أى مدى توافق على هذا الرأى؟
– قيمة الفنون عمومًا أنها تقوم على الإيحاء، لا يمكنك معرفة ماذا لمست فى روح القارئ تحديدًا، إنها تفعل ذلك بطريقة خفية.
لا أقلل من قيمة الأعمال الفلسفية والنقدية، غير أننى أنتصر لسحر الفن.
* لماذا يجب أن نؤمن بقوة الأدب؟
– لأن الحياة قبيحة، وقبحها كامن فى رتابتها.
* فى حياة كل قارئ نصوص أحدثت له نقلة فى وعيه بنفسه والعالم، ما النصوص التى أثرت بك هذا التاثير؟
– أعتقد أن هذه النقلة يحدث تأثيرها بشكل تراكمي، لكننى أذكر أن رواية أمريكانلى لصنع الله إبراهيم سببت لى صدمة عند قراءتها فى صغري، وإن لم أكن مولعًا كثيرًا بكتابات صنع الله، لكن هذه الرواية كانت تنتقد الراسخ فى الموروث الدينى بقوة. كذلك فعل كتاب الفتنة الكبرى لطه حسين، هدم فعل التقديس عندي، نصوص كهذه جعلتنى أدرك أن الشك فضيلة.
حرب هى حياة الإنسان على الأرض» هذا هو مفتتح الرواية، ويبدو أن الحرب استؤنفت فى الرواية، هل ترى أن روايتك تكتب تاريخ الإنسانية بشكل آخر؟
– نعم. أعتقد أنها تكتب التاريخ الإنسانى المدفون، التاريخ الذى لا نريد أن نراه. ننكره لأننا نحب الكذب على أنفسنا ونخشى الحقيقة. تاريخ الإنسان هو تاريخ الدم، وربما لا نستحق الوصول إلى عالم أفضل، فهذا العالم يشبهنا، وهو من خلق أيدينا، ونحن – وإن أنكرنا ذلك – نبيع النبى مقابل ثلاثين قطعة فضة أو أقل، لا فرق بيننا وبين يهوذا.
Commentaires