top of page

شريف صالح: الرواية بناء صارم لابد أن ينتج معرفة

  • Writer: Ahmed Ellaithy
    Ahmed Ellaithy
  • Nov 10, 2018
  • 5 min read






يبدو أن فتنة الرواية لا تزال تلاحق الكتاب العرب، فمنذ دخلنا زمن الرواية بتعبير الناقد جابر عصفور، بدأت هجرة الكتاب العرب جميعا إلى الرواية. ورغم أن هناك حالة لغرام - كما اعترف شريف صالح - بينه وبين القصة القصيرة، إلا أن ميله إلى التجريب دفعه إلى كتابة الرواية.


في روايته «حارس الفيسبوك» يتخيل ما يحدث لو أن موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» قد انهار كل صفحاته، وما الذي سيحدث لعلاقاتنا الموازية التي باتت حبيسة العالم الأزرق فقط، الموقع الذي رغم أنه أبرز التنوع والثراء في عالمنا، إلا أنه قد أظهر هشاشتنا أيضًا.


شريف صالح كاتب مصري، فاز بجائزة ساويرس عن مجموعة «مثلث العشق» عام 2011، وجائزة دبي الثقافية عن مجموعة «بيضة على الشاطئ» عام 2011، وجائزة الشارقة للإبداع عن مسرحية «رقصة الديك». صدر له ست مجموعات قصصية أحدثها «دفتر النائم» عن أخبار اليوم. أصدر روايته الأولى «حارس الفيسبوك» عن دار المصرية اللبنانية 2016.


هل يمكن بناء علاقات إنسانية ناجحة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة أن هذه المواقع تتيح لمستخدميها أن يصدروا عن أنفسهم صورة غير أنفسهم الحقيقية؟


مواقع التواصل، هي نفسها الواقع في مرآة سريعة الإيقاع.. فالخبر الذي كنا نعرفه بعد مرور أيام أو ساعات.. أصبحنا نعرفه في الثانية ذاتها.. وحجم صداقتنا المحدود جدًا في الواقع، تمدد جدًا عبر شبكات التواصل. في المقابل، العاهات البشرية التي كنا نتجنبها في حياتنا، باتت منتشرة أضعافًا مضاعفة، ومن المستحيل تجنبها.. وقدرتها على استنزاف طاقتنا أصبحت أكبر.. صحيح أن الاختباء وراء شاشة يسمح بالتنكر، والتجمل، ومحاولة رسم صور لا تعبر عن حقيقتنا بالضرورة، لكن - مع الوقت - تنكشف كل هذه الحيل.. وفي الأخير تتيح هذه الشبكات الفرصة لمد وتوسيع الصداقة عبر كل أرجاء الكون.. لكن الصداقات «الافتراضية» الحقيقية، تظل محدودة وقليلة، مثلما هي في الواقع.. وعن تجربتي بعد عشر سنوات مع هذه المواقع، أحتفظ طيلة هذه السنوات بمجموعة صداقات أعتز بأصحابها رغم أننا لم نلتق على الإطلاق.


عرفك الوسط الأدبي قاصًا، حارس الفيسبوك هي أول رواياتك، كيف أثرت كتابة القصة في كتابة الرواية؟


بطبعي أحب التجريب.. ومنذ سنوات بعيدة لدي مشاريع لروايات.. لكن للأسف شعوري بضيق الوقت ومزاجيتي.. وكسلي أحيانًا.. جعلني على الدوام أقرب إلى القصة القصيرة، حالة غرام قصيرة تنتهي في جلسة واحدة.. على عكس الرواية التي تتطلب تخطيطًا وتركيزًا ممتدًا، وألفة طويلة مع الزمن. ربما انعكست خبرتي في كتابة القصة على تقطيع الرواية في فصول ذات استقلالية إلى حد ما.. وكذلك الهروب من الحبكة التقليدية نحو بناء حداثي نوعًا ما.


يقول أمبرتو ايكو عن مواقع التواصل الاجتماعي «أنها تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فورا. أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل. إنه غزو البلهاء». هل ترى أن فيسبوك وتويتر نوع من أنوع الديمقراطية الاجتماعية أم أنه غزو البلهاء؟


لا أتفق معه، وأشعر في كلامه بنبرة الوصاية والقمع وحجب الأصوات.. فحتى قبل شبكات التواصل لم تكن الأصوات التي تمثلنا تعبر عن قيم جديرة بالاحترام.. ومن يستحوذ على المجال في التلفزة والصحف - مثلًا - ليسوا أفضل حالًا من فيالق الحمقى الذين يتحدث عنهم إيكو.. صحيح هناك «وفرة هائلة» وسقوط مدوي للمعيارية.. إلى درجة أننا لا نلاحق الكلام والأصوات، ولا نكاد نميز الحقيقة من الشائعة.. ولا الخبر من الدعاية.. ولا الجهل من العلم.. إلى درجة أننا نتابع الآن أقوالًا لكبار الفلاسفة والأدباء لم ينطقوا بها أساسًا، لكن جمهور شبكات التواصل دمجها مع صورهم جدًا أو هزلًا.. هناك بالفعل مأزق.. أو حداثة سائلة بتعبير زيجمونت باونت.. لكن مازلت أرى أن تلك المنصات وسعت أطر الديمقراطية وحق الكلام والنقد والتمثيل.. وفرضت رقابة برلمانية على أداء السلطات.. فليس من السهل أن تتجاهل أي حكومة الآن صورة أو معلومة منتشرة، دون أن تفصح عما لديها وتحقق فيها. ولا ننسى دورها في الحراك الشعبي في العالم العربي، رغم كل الملاحظات على ما تبعه من أحوال.


لماذا لم تسهب في وصف الشخصيات والمواقف، ولجأت بدلًا من ذلك إلى عرض الشخصيات بشكل مكثف في مواقف عابرة؟


الرواية بالنسبة لي هي شكل يتمتع بصرامة، ولا بد أن ينتج معرفة ما، ولو عبر التخييل.. فعندما اخترت أن تدور روايتي «حارس الفيسبوك» في 12 ساعة فقط، وتعتمد فصولها على عملية التشبيك بين عدد محدود من الشخصيات، وبين الافتراضي والواقعي، لم يكن هناك مجال للمقدمات أو توسيع المعرفة بالشخصيات، ولا حتى لقصة حب مشهية، أو خوارق روايات «البيست سيلر».. بذلت جهدًا قاسيًا جدًا في البحث عن «شكل» للرواية، وطريقة لمعالجة وقراءة عالم الفيسبوك، ما اقتضى مني هدم وبناء الروايات حوالي خمس مرات طيلة خمس سنوات.. وبغض النظر عن النتيجة، لكنني راض تمامًا عن جهدي وإخلاصي في كتابة رواية تفتقر إلى معظم التوابل والمشهيات التي اعتاد عليها القارئ العربي.. حتى الجمل الإهدائية الحكيمة التي تتصدر الروايات العربية عادة، لجذب عين وقلب القارئ، تخليت عنها.


أكثر ما لفت الانتباه في الرواية هي الشكل الذي اتخذته، حيث تعرض الرواية من آخر فصولها إلى أولها، هل يعتمد الروائي شكل ما لأنه مناسب لروايته أم أنه يختار الشكل ومن ثم يحيك الرواية حوله؟


الرواية شكل وليس مجرد حكاية.. بناء وليست مواعظ! وليس من السهل أن يعثر الكاتب على الشكل أو القالب المناسب لحكايته.. ما يتطلب منه محاولات مريرة.. والشكل الذي اعتمدت عليه ليس استعراض الرواية من آخرها إلى أولها رغم أنني بدأت بالفعل بالفصل رقم 36 وانتهيت بالفصل رقم 1، على طريقة العد التنازلي، وإنما هو شكل مركب من عمليتي التصاعد والتنازل معًا، وطرح نص يملك القابلية للقراءة من الناحيتين، لإنتاج دلالاته.. ولعل أدق مصطلح في وصف الشكل الذي أسست عليه الرواية ما قاله الكاتب والناقد الصديق ممدوح رزق حين وصفه بـ«التصاعد المعاكس».


بنيت تصورك للرواية من ماذا ستفعل لو انهارت صفحتك الفيسبوكية إلى الأبد، وبدوري أسأل السؤال نفسه، ماذا ستفعل لو انهارت صفحتك إلى الأبد؟


الفيسبوك أصبح حياة موازية لنا، فيها أسرارنا، وعواطفنا، وأفكارنا.. وهناك خطط لأن تبقى صفحاتنا قائمة حتى بعد وفاتنا، وتعتمد على ما يشبه الشبح الإلكتروني الخاص بنا، أو ظلال عقلنا.. حيث تملك الصفحة آليًا الرد على الآخرين بنفس الطريقة التي كنا نرد بها.. وتهنئتهم في المناسبات المختلفة.. ولو وسعنا الدائرة قليلًا مع تطوير الكائنات الآلية.. ووضعنا التام حتى المراقبة.. فقد تكون النتائج كارثية ومرعبة وتشبه الخيال الهوليوودي.. وربما يصبح وفاتنا الافتراضية أو انهيار صفحتنا أشد فداحة.. من وفاتنا في الواقع.. ألا يشعر المرء إذا غاب عن صفحته أسبوعين ولم يسأل عنه أي شخص، ولم يتلق أية رسالة عبر «الأنبوكس» وكأنه لا قيمة له في الحياة.. وأن حضوره يتساوى وغيابه؟ وعن نفسي لا أعرف ماذا سأفعل لو انهارت صفحتي.. وكثيرًا ما فكرت في إغلاق صفحتي.. وأبذل جهدي في تقليل ذوباني حياتي على سطح الصفحة الزرقاء. في النهاية ما زلت أو من أن الحياة ذاتها أجمل من كل بدائلها


يبدو انهيار صفحة الفيسبوك لا يعدو عن أن يكون انهيارًا للعلاقات بين الناس.


الرواية ربما حاولت ملامسة الهشاشة.. لنقل إن وجودنا مع تمدده، ووهم الشعور بالتنوع والوفرة، أصبح أكثر هشاشة.. لم نعد نعرف أقرباءنا كما يجب أن نعرفهم.. ولا نعلم شيئًا عن أولادنا.. معنى الحب والتواصل تحول إلى رسالة آلية بها صورة وردة وليس وردة من دم الحياة.. لذلك من يراجع علاقات أبطال الرواية، الزوج والزوجة والعشيق والصديقة والخال.. كلها كانت علاقات هشة جدًا.. تنقطع بسهولة مفرطة.. وقد تُستأنف بنفس السهولة.. إنه رعب التعود على الجرح، والفقد، والعزلة، والتعايش مع عالم بات حافلًا بأشباح ومجانين وكائنات افتراضية.


كيف ينشأ النص لديك لأول مرة؟


ليس هناك قاعدة لولادة النص.. قد يأتي من ذكرى.. أو رؤية امرأة جميلة تعبر الشارع.. رائحة غامضة.. عنوان ومض في رأسي.. ثمة لحظة تأتي من السديم والفوضى وتقول لك: اكتبني.. عادة قد أدون تلك الومضة.. وأتركها تختمر على مهل.. أنساها وأعود إليها.. ولا أستجيب من المرة الأولى.. فمن بين عشرة المشاريع الكامنة في ملفات الكمبيوتر.. هناك ملف سوف يطاردني ويجبرني على العودة عليه.. ولا أملك إلا التخلص منه بإتمامه.


بالعالم العربي الآن جوائز كثيرة، كيف تفيد الجائزة الكاتب؟


الجوائز في حد ذاتها أمر طيب.. رغم كل ما يدور حولها من لغط وجدل ونقد.. وهذا أيضًا طبيعي.. وتفيد الكاتب ماديًا بالدرجة الأولى، كما قد تسهم في تسليط الضوء على مشروعه.. لكن الجائزة مهما بلغ سلطانها لا تستطيع الدفاع عن عمل متواضع.. فلو لم يكن النص نفسه قادرًا على أن يبقى ويُستعاد عبر القراءة، فإن مصيره إلى النسيان، بغض النظر عن قيمة واسم الجائزة التي نالها.

 
 
 

Comentários


© 2023 by EDX. Proudly created with Wix.com

bottom of page