top of page

سليم البيك: الخبز الفلسطينى جزء من علاقتى بالمكان

  • Writer: Ahmed Ellaithy
    Ahmed Ellaithy
  • Nov 10, 2018
  • 6 min read

للفلسطينى اللاجئ ذاكرة من نوع خاص تجاه وطنه.. ذاكرة شكّلها من خلال الحكايات.. ذاكرة مفترَضة.. متخيَّلة.. هى ذاكرة اللاجئ لا المقيم فى وطنه


لا تزال محنة اللجوء تؤرق الفلسطينيين فى كل مكان فى العالم. منذ نكبة 48 هُجر العديد من الفلسطينيين إلى خارجها، ولم يتوقعوا أنهم لن يستطيعوا العودة مرة أخرى، ولئن كان حلم العودة لم يتحقق حتى الآن، فإن الحلم قد انتقل مع الأجيال اللاحقة، وسليم البيك واحد من الجيل الثالث الذى لم يعاين فلسطين أبدًا.


فى روايته «تذكرتان إلى صفورية» يبدو أن البيك يعبر عن هذا الحلم من خلال بطل الرواية «يوسف» الذى يحاول أن يرجع إلى «صفورية» فى مدينة الجليل.


سليم البيك كاتب من فلسطين ومحرّر مجلّة «رمّان»، يكتب فى الصّحافة الثّقافية النّقد السينمائى وغيره. صدر له «ليس عليكِ سوى الماء» و«كرز، أو فاكهة حمراء للتشيزكيك» الحائز على جائزة «القطّان» فى القصة القصيرة، و«خطايا لاجئ». وأخيرا رواية «تذكرتان إلى صفّورية» عن دار السّاقي، وقد نال مشروعها منحة «آفاق» لكتابة الرواية.


يسعى البطل بحثًا عن هوية ما، حيث أنه كان لاجئًا ووحيدًا، هل يمكن أن تكون علاقته مع ليا، تدور فى إطار البحث عن الانتماء والهوية؟

هويّة الشخصية الرئيسية، يوسف، هى هنا مركّبة، والهوية من الموضوعات الأساسية فى الرواية. هو سؤال فلسطينى دائم، وهو اليوم مطروح بشدّة لدى فلسطينيى سوريا، ممن اضطروا للخروج ثانية، ومن سوريا، بعدما خرج أجدادهم قبلها بسبعين عاما من فلسطين إلى سوريا. فالهويّة المركّبة بين السورى والفلسطينى التى ورثوها ستزداد تعقيدا اليوم، وقد صار معظم شباب المخيّمات خارجها وخارج سوريا، فى أوروبا تحديدا. أضف إلى ذلك أن يوسف قد ولد وعاش فترة فى دبي، كالكثيرين من الفلسطينيين فى المخيمات خارج الوطن. فعناصر تركيب الهويّة لديه متعددة ومتوازية.


فى سياق هذا الإرباك فى معنى الهوية لديه، التقى بلِيا، الفتاة الفرنسية التى وجد فيها ملجأً من كل ذلك، وقد قال لها مرّة أنّ المكان الذى ينتمى إليه سيكون حيث هى تكون، حيث يكونان معا.


تعتمد الكتابة الروائية للكثير من الكتاب الشباب السوريين على السيرة الذاتية، هل يمكن أن نطلق على روايتك رواية سيرة ذاتية؟

الحكاية فيها، والتى تُنقل فى قسم كبير منها ضمن «تيار الوعي» لأسباب منها الوحدة التى تعيشها الشخصية الرئيسية واعتماد الرواية على شخصيتين رئيسيتين فقط، وأنّى ككاتبها، كان لدى الكثير لأقوله فيها، فالحكاية كانت فى قسم كبير منها سيرة ذاتية، إنّما سيرة جماعية فى الوقت ذاته. هى سيرة ذاتية للتجربة، والتجربة فردية وجماعية، وأنا، ككاتبها، عشت أجزاء من هذه التجربة. لكن القسم الأكبر من الرواية وهو حكائي، خيال تام.


لأفصّل أكثر: الجانب المعنيّ بالهوية الفلسطينية واللااتنماء للأمكنة والرغبة الدائمة فى العودة إلى المكان الأوّل فى فلسطين والقلق تجاه هذه العودة، هذه كلّها أسئلة أطرحها على نفسى بشكل شبه يومي، قبل كتابة الرواية وأثنائها وبعدها، هو سؤالى الذى ما أزال أطرحه وأطارحه ككاتب مقالات وكمحرّر مجلّة بشكل دائم، وهو سؤالى الأساسى فى الرواية التى أشتغل عليها حاليا. لكن لا بد لذلك أن يأتى ضمن حكاية وأحداث وشخصيات وحوارات، وهنا يأتى الخيال.


فى سعى البطل للبحث عن وطن، فرنسا أم سوريا أم فلسطين، لا يبقى للبطل إلا الذاكرة، هل يمكن أن تكون الذاكرة هى الوطن الذى يلجأ إليه البطل، نظرًا لعدم استقراره فى مكان؟

مسألة الذاكرة أتت فى مواقع عدّة من الرواية من بينها حوار بين يوسف وليا، يحكى لها فيه عن قلقه لأن لا ذكريات له فى صفورية، فتجيبه بأن له ذكريات طفولة فى دبى وأنّ المدينة لا تعنيه فى شيء، فلا علاقة بين الذكريات والانتماء. ليست الذاكرة وطنا إذن، هى أحد عناصر تشكيل العلاقة مع الوطن، هذه العلاقة يمكن لسجنٍ أن يؤسسها كما يمكن لمقهى، هى ليست قيمة إيجابية بالضّرورة. لكنّها، بكلّ قيَمها، هى ما ينقص اللاجئين الفلسطينيين، ويوسف من بينهم.


للفلسطينى اللاجئ ذاكرة من نوع خاص تجاه وطنه، ذاكرة شكّلها من خلال الحكايات، ذاكرة مفترَضة، متخيَّلة، هى ذاكرة اللاجئ لا المقيم فى وطنه، من هنا نفهم القلق الذى كان لدى يوسف حين بدأ يحضّر لرحلته إلى فلسطين، إلى المكان الذى شكّل له مسبقا ذاكرة مفترضة والذى يعتقد بأنّه ما إن يصله حتى تتلاشى الذاكرة التى بنى من خلالها وطنه، ليتعرّف على فلسطين أخرى لم يعرفها. لا بد أن نعرف أن للاجئ ذاكرة جوّانية لا أساس لها فى حين أن للمقيم ذاكرة من أساس مادى آت من خارج ذهنه.


إذا كان الفلسطينيون يعتمدون على الذاكرة، إذن تظل فلسطين بلدا متخيلا لم يعاينه أهل الشتات، هل يمكن أن ينسى أهل الشتات بلدهم وقضيتها نتيجة هذا، أم يمكن للخيال دائمًا يبقى الحقيقة مشتعلة؟

صحيح أن فلسطين بلد متخيَّل لدى أهلها من اللاجئين، لكن صحيح كذلك أن هذا سبب أساسى فى العناد لديهم بأن يعرّفوا عن أنفسهم بأنهم فلسطينيون. معرفتنا كلاجئين بفلسطين ثابتة، ومنها يخرج ثبات الإصرار على العودة إليها أخيرا.


فلسطين عندنا هى التى عرفناها من أجدادنا. أنا، كانت حكايات جدّى هى التى عرّفتنى على فلسطين وقريتنا هناك (ترشيحا). والصورة المتخيلة الرومانسية هذه، التى ساهمتْ فى أن يصير الفلسطينى اللاجئ فدائيا، هى صورة ثابتة، وهى غير واقعية، أعرف، لأنّ الواقعى فى حالة تغيّر دائم. وهذا الثبات فى إدراك فلسطين كوطن لدى أهلها اللاجئين هو الضامن لهذا الانتماء العنيد الذى نشعر به نحن فى الخارج، دون أى ذكريات نحتاج لأن تربطنا بها.


لماذا تتجلى الإشكالية الحضارية مع الآخر فى الجنس؟

الإشكالية لدى يوسف لم تكن الجنس بل رغباته، وذلك تجلى فيما رآه بصاحبة المخبز وابنتها ثم جارته ثم النساء فى الساحة وطبعا لِيا قبل أن يتعرّف إليها وتغيّر له رؤيته للمرأة وللعلاقة بالمكان. لدينا الرغبة غير المتحققة من جهة ولدينا الرغبة المكتملُ تحقّقها من جهة أخرى، وهى مع ليا التى يجمعه بها حب وشراكة فى كل شيء، هنا يأتى الجنس معها ضمن سياقِ ما يمكن أن تكونه ليا بالنسبة له: مكان الانتماء الذى هو هنا المرأة التى يحبّها. علاقة يوسف بالجنس كانت أقرب لعلاقته بالأمكنة، مرور سريع دون أى شعور منه تجاه هذا المرور. فى الفصول الأولى ترفض إحداهن ممارسة الجنس معه لعدم تواجد واق ذكري، فيكتفيان بالجنس الفموي، صباحا يستيقظ ويجد رسالة منها تشكره دون أن تترك ما يمكّنه من التواصل معها عبره، فنسيَها. النقيض من ذلك كانت ليا التى أخبرته بأن يشترى صوفا كى ينوّعا عليها ممارستهما للحب. الأولى كانت له أقرب للأمكنة التى عرفها وكانت ناقصة بل مبتورة ولم ينتمِ إليها، والثانية أقرب للمكان الذى ينتظر جواز سفره ليزوره معها هي، هى التى كانت المحرّض له، كشخصية روائية، بأن يتطوّر ويصلّح علاقته بامرأة من جهة وبالمكان من جهة أخرى.


يخيل لى أن الحاجة إلى الهوية والانتماء لا تنفصل مثلًا عن الحاجة إلى تذوق طعم الخبز فى فلسطين حتى لو تذوقت طعم الخبز نفسه فى فرنسا؟

طعم الخبر هناك هو جزء من تشكيل لا الهويّة بل العلاقة مع المكان، وأنا كلاجئ أحرص على الفصل بين هذه العلاقة وبين معنى الهويّة. أنا أحب طعم الخبر فى فرنسا مثلا، ولطالما ذكّرني، إن كان ساخنا، بطعم ورائحة الخبز فى حلب حين كنت، صغيرا، أخرج من بيت جدّى صباحا لأشتريه.


لا يمكن لهذه اللذة الآن أن تشكّل هويتي، لكنّها تساهم فى تشكيل علاقة صحّية وألفة مع المكان، هو من جملة أشياء تجعل فرنسا، أو تولوز حيث أقيم، مكانا أجدنى أبنى علاقة جيّدة معه لأنّ عمارة المدينة جميلة، أناسها طيّبون، نساؤها جميلات، فيها سينماتيك ممتازة، فيها مكتبة عامة ومقهى حيث أشتغل على اللابتوب، فيها مطاعم ومقاه صار بعض النادلين فيها يعرفني، لى فيها أصدقاء، وغيرها من المسببات التى لا تشكّل هويتى إنّما تصحّح علاقتى التى لطالما كانت قلقة، بالأمكنة التى عشت فيها، وهو ما أتشاركه مع يوسف. هل المدينة تشكّل لى هوية ما؟ لا، هل المدينة تحلّ محل أى مكان فى فلسطين؟ لا. وكلانا، يوسف وأنا، يعرف أنّ المدينة هذه وغيرها مهما كانت فاتنة، فمساحة هذه الفتنة تبقى فى العلاقة اليومية دون أن تتعداها إلى مساحة أخرى بحدود أخرى هى الهوية التى لن تكون غير صفورية/ ترشيحا بكل الأحوال، وإن - كما قلت - لا ذكريات لى ولا طعما للخبز فيها أعرفه.


حصلت على منحتَى «المورد الثقافي» و«اتجاهات - ثقافة مستقلة» اللتين تهدفان إلى دعم وتشجيع جيل جديد من الفنانين والأدباء العرب، ما ملامح الرواية التى تقدمت بها للمؤسستين؟

تقدّمت بالمشروع ذاته لكل من المؤسستين، وظهرت النتائج لكليهما فى اليوم ذاته، سألت كلا منهما إن لم تمانع بأنى حصلت على منحة للمشروع ذاته من المؤسسة الأخرى كذلك، وكان ردّ كليهما مرحّبا. والمنحتان تجعلانى أمام مسئولية مضاعفة فى الخروج برواية استحقتهما معا، وأنا أتقدّم فى الرواية، إذ إنى أقترب من مراحل الكتابة الأخيرة منها، وسعيد بما كتبته حتى اللحظة.

كما سبق وذكرت، سؤال اللاجئ الفلسطينى وعلاقته بفلسطين هو القلق الذى يشغلني، قلق بمعنى أنّه سؤال مطروح، كتابةً وحياة يومية. وهو، فى محور الرواية التى أكتبها، يأتى بمنحى مختلف عمّا كانه فى «تذكرتان إلى صفورية».


العلاقة مع مدينة حيفا التى ينتمى إليها جدّ الشخصية الرئيسية، العلاقة مع فتاة أتت لتوها من هناك إلى باريس حيث يعيش، العلاقة مع صديقتَى الفتاة، إحداهما تهتم بفلسطين لاهتمامها به والأخرى لا تكترث لشيء. تشابك العلاقات فى عقدة واحدة تجمعها، هو أساس الرواية، كما أنّى أتنقّل بالزّمن لأعود لأحداث من وجهات نظر مختلفة، شيء ما يشبه فيلم «راشومون» لأكيرا كوروساوا، إنّما أدبيا وليس سينمائيا فأسرد فيما أريد، وفيه تنقلات أكثر فى الزمن. تقنيّة السرد فى هذه الرواية أشتغل عليها بمستوى لا يقل أهمية عن مستوى أسئلة الهوية الفلسطينية التى أشتغل عليها كذلك.

 
 
 

Comments


© 2023 by EDX. Proudly created with Wix.com

bottom of page