top of page

بسمة عبدالعزيز: المعرفة مسألة وجود وهي الطريق الواضحة للتغيير المنشود

  • Writer: Ahmed Ellaithy
    Ahmed Ellaithy
  • Nov 10, 2018
  • 8 min read



بسمة عبدالعزيز طبيبة وفنانة تشكيلية وروائية وقاصة، صدرت لها مجموعتان قصصيتان، وثلاث دراسات نفسية واجتماعية، آخرها "ذاكرة القهر: دراسة حول منظومة التعذيب"، وفاز كتابها "إغراء السلطة المطلقة" بجائزة أحمد بهاء الدين للباحثين الشباب عام 2009. لفتت بسمة الأنظار إليها منذ بدء تواجدها على الساحة الثقافية، طبيبة نفسية دخلت عالم الأدب بمجموعتان قصصيتان، فازت إحداهما بجائزة ساوير، وبعد ثورة يناير، أصدرت رواية "الطابور" عن دار التنوير. وهنا حوار معها:



اختارتك مجلة «فورين بوليسى» ضمن قائمة الـ100 من قادة الفكر فى العالم لعام 2016، كيف استقبلت هذا الخبر، ومن قبل حصلت شركة انتاج من نيويورك " مالبري" على حجز حقوق تحويل رواية الطابور إلى فيلم، ماذا تعني لك تلك النجاحات المتتالية؟

استقبلت الخبر بمزيج من الدهشة والفرحة، الدهشة لأني على يقين من أن هناك الكثير جدًا مما لم أقدمه بعد وأن ما قدمت لايزال ضئيلا جدًا، والفرحة لأن التقدير يأتي من جهة محايدة تمامًا لا تعرف عني سوى من خلال إنتاجي وبالتالي فإن تقييمها لي هو تقييم صادق وموضوعي إلى حد بعيد، وأما أن أكون بين مائة شخص فقط على مستوى العالم فذاك تكريم يزيد من الإحساس بالمسئولية وبالرغبة في الاستمرار والمواصلة خاصة وأنني دائمًا ما أشعر بالتقصير تجاه الكتابة وبأن حجم إنتاجي لا يتوافق مع ما أرغب في إنجازه فعليًا.على كل حال أظن أن النجاحات التي أشرت إليها هي وليدة محاولات جادة للاجتهاد في المجالات التي اخترتها سواء كانت الأدب أو البحث العلمي، وأعتقد أن كل محاولة دؤوبة في حقل المعرفة، يبذلها شخص مؤمن بما يفعل، ستقابل يومًا ما بالتقدير المناسب؛ جاء مبكرًا أو متأخرًا، والمهم ألا ينتظر المرء التقدير ويربط عمله بالحصول عليه، فالعمل نفسه جائزة مُشبِعة، وكل إنجاز معرفيّ هو في حد ذاته تقدير كبير لصاحبه.


عرفتي كباحثة في المقام الأول، لكنك كنت تهتمين بالأدب ولك مجموعتان قصصيتان، هل يؤثر عملك البحثي على عملك الأدبي؟

لا شك أن الأمور كلها تتكامل ويضيف أحدها إلى الآخر، فالجانب العلمي يثقل الأدب ويضيف إليه عمقًا ونضجًا، والجانب الأدبى يجعل العلم أكثر سلاسة وقدرة على التأثير في القارئ. ربما يكون التأثير السلبي الوحيد متمثلا في ضيق الوقت وقد صار إيقاع الحياة شديد السرعة بحيث ينقضي اليوم دون أن يتمكن المرء من إنهاء ما قرر أو من إنجاز ما انتوى، لكن دعني أشير إلى أن مجموعاتي القصصية سبقت عملي البحثي، وحصولي على جائزة ساويرس في القصة القصيرة للكتاب الشبان جاء قبل كتابي البحثي الأول “ما وراء التعذيب” وكذلك قبل فوزي بجائزة ومنحة أحمد بهاء الدين للباحثين الشبان عن “إغراء السلطة المطلقة”، لكني عُرِفت أكثر بالعمل البحثي ربما لأمرين؛ أولهما التطرق إلى موضوعات تتسم بقدر من الحساسية على المستوى الاجتماعي-السياسي والنفسي مثل عنف أجهزة الأمن تجاه المواطن العادي، ومثل تحليل خطاب المؤسسة الدينية وتسليط الضوء على محاولات تسخيره لخدمة السلطة، وهي موضوعات لم تعالج بالقدر الكافي علميًا، وثانيهما ندرة المنتج البحثي الذي يهتم بالوصول إلى القارئ غير المتخصص قبل المتخصص، والذي يسعى إلى تبسيط العلوم النظرية وإلى تطبيقها على أزمات الواقع وتفاصيل الحياة اليومية ومشكلاتها، وذاك أمر أوليه اهتمامًا كبيرًا، فالنظريات لم توضع كي تبقى أسيرة بين أغلفة الكتب، وإذا لم يتمكن الناس من الاستفادة منها بصورة من الصور، تناقصت قيمتها.


تتوزع اهتماماتك بين الرواية والقصة والبحث والفن التشكيلي، فضلًا عن إنك طبيبة نفسية، ألم تشعرين يومًا بالتوتر أو الاضطراب؟

على العكس، شعرت أن كل فرع من هذه الفروع أضاف لي جزءًا مهمًا، وتعدد المعارف أمر قديم جدًا، وأظن أن التخصص الدقيق والضيق الذي يجعل صاحبه جاهلا بجوانب المعرفة الأخرى جهلا تامًا هو شيء غير صحيّ، فقليل من المعرفة على مختلف الأصعدة لا يضر، بل يكسب المرء ثراءً وثقة ويجعله قادرًا على رؤية الأمور من زاوية أكثر اتساعًا ورحابة. أعترف أنني ظننت عند التحاقي بكلية الطب أن اهتماماتي الأخرى ستتأثر وقد تختفي تمامًا، ولم أكن خططت لأصبح طبيبة بل كانت ضغوط العائلة مع حصولي على مجموع كبير في نهاية المرحلة الثانوية هي الدافع الوحيد، وحاولت حينها -قدر الإمكان- الجمع بين ما أحب، فبقيت أمارس الفن التشكيلي والكتابة ثم تعلمت النحت وأقمت معارض في أماكن عدة كان آخرها بمتحف مختار، وكذلك كنت أدرس التأليف الموسيقي في دار الأوبرا مع المايسترو مصطفى ناجي، حتى تخرجت من الكلية وقد أضافت لي الدراسة أبعادًا علمية وإنسانية لا حصر لها، وأصقلتني كثيرًا خاصة فيما يتعلق بالكتابة سواء الأدبية أو العلمية، ولم أشعر بالارتباك بل بأن ثمة مزيد من المعرفة يمكن طلبه والسعي إليه.


كانت علاقة المواطن المصري بالشرطة علاقة طبيعية، إلا أنه في السنوات الـ 20 الأخيرة، تبدلت تلك العلاقة لتصير علاقة غير سوية، تمارس فيها الشرطة التعذيب بكل أشكاله، ما الأسباب التي دفعت لتبدل تلك العلاقة، وهل هناك فترة محددة حدث فيها ذاك التحول؟

لم تكن العلاقة مثالية وآمنة في غالبية الفترات التاريخية بين الشرطة والمواطنين، ولا تنس أن مصر تعرضت لمظالم الاحتلال عبر قرون طويلة ومن مختلف الإمبراطوريات الاستعمارية، وبالتالي كانت أجهزة الشرطة أداة قمع وبطش شبه دائمة، أما في السنوات الأخيرة وتحديدًا في نهايات عصر مبارك فقد حدث تحول نوعي هام حيث انتقل العنف والتعذيب ليطال المواطنين كافة بغض النظر عن انتماءاتهم؛ لم يعد المعارضون السياسيون فقط هم من يتعرضون إلى التعذيب والانتهاك بل صار كل مواطن ضحية محتملة، والسبب في رأيي أن النظام لم يعد قادرًا على تحديد أعداءه فهو ليس شيوعيًا فيضطهد الرأسماليين ولا ناصريًا فيضطهد الشيوعيين ولا محافظًا فيضطهد الليبراليين، هو نظام فاقد للهوية وبالتالي صار الكل أعداءً له، كل مواطن يطلب حقه أو يرفض الظلم هو عدو، كل مواطن يريد حدًا أدنى من الكرمة هو عدو، وهكذا صار التعرض إلى التعذيب والعنف مآل الجميع.


أشرت في مقدمة كتاب "سطوة النص" أنه كان رسالة تقدمت بها لنيل دراجة الماجستير لكن المشرف رفض مناقشتها، لأنه كان يريد فرض أفكاره حسب زعمك، هل ترين أن هناك أى أمل في تقدم علمي ما لم يكن الباحث حرًا في عرض آرائه وحججه؟

الأمل موجود رغم كل العقبات والعوائق، بل أن محاولة التضييق على البحث العلمي ربما تدفع الباحثين إلى تحري المعلومات والبحث عن التوثيق أكثر وأكثر، لا أنكر أن الوضع أحيانًا ما يكون شديد الصعوبة وشديد السوء خاصة حين تصبح التعمية على الحقائق والوثائق سلوكًا ثابتًا يمارسه النظام، لكن الباحث يحركه فضوله وشغفه بالعثور على ضالته كما تحركه أفكاره وفرضياته وتحثه على بذل مزيد من الجهد لمساءلتها وإثباتها أو نفيها.

المعركة الفكرية مع الأنظمة السلطوية التي تحاول تزييف وعي الناس هي معركة أساسية ومحورية لا يجوز التفريط فيها ولا الانسحاب منها مهما كانت الظروف، وأعتقد أنها تحدد موقعنا على الخريطة الراهنة والمستقبلية، وعلينا الإيمان بأن المعرفة مسألة وجود لا رفاهة ولا خفة ولا تسلية، وأنها الطريق الواضحة للتغيير الإيجابي المنشود.


عارض النائب أبو المعاطي مصطفي تعديل الحبس في قضايا خدش الحياء، وقال أن روايات محفوظ بها خدش حياء، ولو كان موجودا بيننا لوجب معاقبته. السؤال، لماذا يجب أن نؤمن بقوة الأدب؟.

الأدب هو الخيال المتدفق المستند بوعي وعمدية أو حتى بغير عمدية إلى معطيات الواقع والمنطلق منها إلى مساحات أرحب وأوسع وأكثر مرونة، هو الدليل على قدرة البشر على اختراع الأحلام وخلق واقع بديل وإضاءة جوانب خافية قد لا يراها الآخرون. هو في بعض الأحيان ملجأ من التعاسة والبؤس وفي أحيان أخرى شاهد عليها وفاضح لها، الأدب قوة لا يستهان بها والفن عامة هو وجه الإنسانية الجميل الرائق الذي يجمع البشر من كل حدب وصوب بلا سابق معرفة، وقد تعرض محفوظ وأدباء آخرين إلى اضطهاد مارسه بعض أصحاب العقول المنغلقة، لكن التاريخ أسقطهم من حساباته وبقي محفوظ وبقيت نصوصه، والحياء المخدوش يحتاج إلى جرعات مكثفة من الحرية لعلاجه، ويحضرني قول المتنبي هنا: وداوني بالتي كانت هي الداء، الرافضون للحرية يحتاجون إلى مزيد منها والخائفون منها يحتاجون إلى مواجهتها والتعرف إليها حتى يمكن لهم إدراك قيمتها وأهميتها.


كان الخلاف بين مؤسسة الأزهر وجماعة الإخوان حول أحقية كل منهما في الحديث باسم الدين، هل استفراد أى منهما بالحديث باسم الدين يعني أى شىء غير استمرار وجوه السلطة المستبدة؟

الخلاف على أحقية الحديث باسم الدين ما هو إلا صراع على احتكار السلطة الدينية التي يمكن من خلالها قيادة الجماهير والتحكم في وعيها، خاصة أن السلطة الدينية تتحدث باسم ما هو مقدس والقدسية تنسحب هنا على الأشخاص، مما يجعل مساءلتهم في منتهى الصعوبة بل لا يجرؤ عليها أحد. الحديث باسم الدين وباسم الرب حديث لا يمكن توجيه النقد إليه وإلا اتهم صاحب النقد بأنه يعادي الدين، والصراع على التمثيل بين جماعة الإخوان المسلمين ومؤسسة الأزهر كان على أشده وقت وجود الجماعة في الحكم، فقد شعر الأزهر بأن الجماعة في طريقها لاحتكار السلطة السياسية والسلطة الدينية سويًا وهو ما يجرده تلقائيا من نفوذه وسيطرته، وبالتالي ظهر الصراع على السطح بوضوح، والحقيقة أن الأزهر مؤسسة ذات طبيعة فكرية استبدادية إلى حد بعيد، فهو لا يحبذ وجود آراء مخالفة لآراءه حتى إنه يبادر إلى مهاجمة أصحابها والأمثلة كثيرة ومتنوعة، وعلى هذا هو لا يمانع في موقفه وخطابه من وجود سلطة سياسية مستبدة بالتوازي ولا يجد غضاضة في الموافقة على الانتهاكات التي تمارسها بحق المواطنين، لكن حين يصل الأمر لتهميشه واستبعاده من الساحة فإنه يدافع عن وجوده وسلطته بشراسة.


هل لعب الأزهر يومًا دورًا حياديًا بمعزل عن أى أثر للسياسة؟

لا أظن أن هذا الدور الحيادي أو الديني فقط كان موجودًا على مر التاريخ، فلم يكن الدين الإسلامي أبدًا منفصلا عن السياسة والحق أن الانفصال كان نسبيًا وكانت درجة مولاة الأزهر للسلطة السياسية هي الفيصل ودعني أشير إلى أن تولي منصب شيخ الأزهر لم يكن أبدًا بالانتخاب كما هو شائع بل كان العلماء يجتمعون ويتفقون على عدد من الأسماء ثم يقوم الوالي باختيار اسم والتصديق عليه، وبالتالي كانت العلاقة بين مؤسسة الحكم في صورتها القديمة وبين شيخ الأزهر علاقة تقوم على الرضاء والتوافق وهو أمر يستجلب دومًا علامات تشكك واستفهام حول النزاهة والحياد والتجرد من المصلحة الشخصية.


في سياق آخر، يبدو أن الأزهر غير متسامح مع أى ملل أخرى، مثل التشيع والبهائية، بل أى رؤى مخالفة للرؤية التي يقدمها للدين الإسلامي، هل يمكن لمؤسسة مثل تلك ائتمانها على دعوة مثل دعوة تجديد الخطاب الديني؟

أنت أجبت بنفسك عن السؤال، التجديد يحتاج إلى المرونة الفكرية والأزهر يتمتع بنسبة لا بأس بها من الجمود، على الصعيد الآخر فإن أطروحة تجديد الخطاب الديني تحتاج في حد ذاتها إلى مزيد من الاستيضاح والتفسير، فما هو تعريفنا للتجديد وما هو تحديدًا الخطاب الديني؟ هل هو خطاب المؤسسات الدينية الرسمية أم هو الموروث الديني أم هو النص الديني نفسه، الأمر لا يؤخذ بهذه السطحية التي تسمن ولا تغني من جوع، وأظن أن عديد الأشخاص المسئولين الذين يتحدثون عن التجديد لا يملكون تصورًا واضحًا للأمر، وما يحدث الآن في رأيي هو “تطويع” لخطاب المؤسسة الدينية بما يخدم أغراض السلطة السياسية ويدعم نفوذها.


هل تحسن وضع المرأة بعد ثورة يناير؟

التغير الذي طرأ على وضع النساء بعد ثورة يناير هو في رأيي تغير إيجابي في بعض جوانبه وإن بدا غير ذلك، فالنساء شاركن مشاركة واسعة في الحراك الثوري وفي لحظات الحسم السياسي لعبن دورا مؤثرًا اتفقنا أو اختلافنا على تقييمه بالسلب أو الإيجاب، وقد مثلن كتلة تصويتية ذات ثقل، كما أثبتن أنهن بمثابة ظهير سياسي يمكن التعويل عليه، لكن نظرًا لتردي الأوضاع في الفترة الراهنة بوجه عام، لا يمكن القول بتحسن حال النساء إجمالا فلسن يكدحن بمعزل عن المجتمع، ولا شك أن تدهور الموقف الاقتصادي ينعكس على النساء بصورة كبيرة سلبًا، ويقتطع من مكتسباتهن، وبالنظر إلى الأداء المفجع لبعض نواب مجلس الشعب وإلى الآراء شديدة الرجعية والذكورية التي تصدر عنهم فيما يتعلق بالنساء وحقوقهن، وإلى مشاريع القوانين التي يقترحونها والتي تبدو مضحكة مبكية في آن مثل القانون المتعلق بتنظيم حضانة الأطفال، أجد أنه لا مفر من التسليم بوجود تراجع ملحوظ على مستوى المبادئ والمفاهيم التي ظننا أنها بديهية، لكن أعود للقول بإننا في مرحلة مخاض عنيف وعندي أمل أن يسفر عن تحسن حقيقي.


من من الكتاب الذين أثروا بك كروائية؟

تأثرت بسارتر فقد كان أول قراءاتي وأنا بعد طالبة في نهاية المرحلة الإعدادية كما تأثرت في المرحلة نفسها بإيوجين يونيسكو وكتاباته العبثية، وبمشروع ألبير كامو المعرفي، وقد ترك أدب نجيب محفوظ في نفسي بصمة دائمة لا تنمحي، خاصة على مستوى استخدام اللغة والاشتقاق منها وثراء السرد واللعب على أبعاد ومستويات متباينة، حتى أنني أعيد قراءته بين الحين والآخر وأشعر أنني أستمد منه طاقة هائلة للكتابة. أحببت كذلك أعمال صنع الله ابراهيم وأعجبت بأسلوبه الموجز المكثف في بعض الروايات وبلمحاته وإسقاطاته وتفاصيله شديدة الذكاء، كذلك أشعر بحنين غامر نحو كتابات علاء الديب، هذا السرد الفاتن المحمل بشجن لا نهائي يأسرني تمامًا ففيه من الصدق والعذوبة ما لا أجد عند أديب آخر.


ما المشروع التي تعملين عليه حاليًا؟

أعمل على مشروع روائي جديد وإن كان معطلا منذ فترة لضيق الوقت وانشغالي بكتابات علمية أخرى، لكني أتمنى أن أتفرغ له في القريب.

 
 
 

Commentaires


© 2023 by EDX. Proudly created with Wix.com

bottom of page