كيف تؤثر زيادة الاعتماد المتبادل على تطور العلاقات الصينية الخليجية؟
- Ahmed Ellaithy
- Jun 3, 2020
- 4 min read

نُشر في مركز الإنذار المبكر
ترجمة: أحمد ليثي
لسنوات طويلة، اعتبر خبراء السياسة الخارجية أن الولايات المتحدة هي الشريك الاستراتيجي الوحيد والعملي لدول الخليج، وأن واشنطن هي الطرف الوحيد الذي لديه الإمكانيات التي تؤهلها لتقديم الدعم الأمني لدول الخليج. بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة والخليج لطالما تشاركا في أهدافهما الاستراتيجية تعتمد على الاستقرار وأمن الموارد ومكافحة التهديد الإيراني .
ما نقوله هنا هو أن هذه النظرية لا تزال قائمة على نطاق واسع. ففيما يتعلق بمقياس واحد من المشاركة والالتزام بالمنطقة – وهو الانتشار العسكري – تتفوق الولايات المتحدة بكثير على جميع البلدان الأخرى. إذ يتمركز حوالي 46000 جندي أمريكي في دول الخليج، مما يوفر لها ميزات أكثر من أي دولة أخرى، حيث تحتفظ المملكة المتحدة وفرنسا بحوالي ألفي جندي فقط في المنطقة.
ولكن على الهامش، فإن التصور التقليدي القائل بأن الولايات المتحدة هي الشريك الإقليمي الوحيد العملي تواجه الآن حقيقة جديد وهي: أن المستورد الرئيسي لصادرات دول الخليج من النفط هو الآن الصين. في الوقت نفسه، تشمل الأهداف الاستراتيجية للصين بشكل متزايد الاستقرار في الشرق الأوسط، كما تعمل السياسة الخارجية النشطة في ظل حكم شي جين بينج على مشاركة أكبر في السياق الأمني والاقتصادي في المنطقة.
يكمن السبب الرئيسي لهذا التحول هو أن الصين هي الآن المشتري الرئيسي لنفط الشرق الأوسط. فا لحجم الهائل للبلاد والنمو السريع على مدى الثلاثين عامًا الماضية، إلى جانب الندرة النسبية للموارد البترولية المحلية، يعني أن بكين كانت سوق النمو الأساسي لمنتجي النفط في السنوات الأخيرة. وبينما أصبحت بكين أكثر اعتماداً على استيراد الوقود – مع حوالي 72% من إجمالي النفط المستهلك في الصين القادم من الخارج – ازدادت الأهمية الجيوسياسية لتلك الواردات النفطية.
في عام 2019، ارتفعت صادرات النفط من المملكة العربية السعودية إلى الصين بنسبة 47% على أساس سنوي ، وقد مثّل ذلك 1.67 مليون برميل يوميًا. وشكل حوالي 16.5% من إجمالي واردات الصين من النفط لهذا العام، مع كون المملكة العربية السعودية بمثابة أكبر مصدر لاستيراد الخام في العالم. كما تظهر دول خليجية أخرى بانتظام في قائمة أكبر عشر مورّدين للنفط الخام للصين. ووفقًا للإدارة العامة للجمارك في الصين، كان العراق ثالث أكبر مورد في عام 2019 بواقع 1.01 مليون برميل في اليوم، وسلطنة عمان في المركز السادس بواقع 0.63 مليون برميل في اليوم، والكويت في المرتبة السابعة بواقع 0.43 مليون برميل في اليوم، وإيران في المركز الثامن بواقع 0.31 مليون برميل في اليوم، والإمارات العربية المتحدة في المركز التاسع بواقع 0.28 مليون برميل في اليوم. بشكل عام، أي أن الصين حصلت على أكثر من 40% من نفطها من الخليج.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الخليج ليس فقط أهم مصدر واردات الصين من النفط. فالغاز الطبيعي هو أيضًا مورد حيوي، وهو الوقود الأحفوري الأسرع نموًا في المزيج الذي تعتمد عليه الصين من الطاقة، حيث تتوقع شركة بريتيش بتروليوم أن يقفز الغاز من 7% في مزيج الطاقة الحالي إلى 14% بحلول عام 2040. توفر قطر حاليًا ما يزيد قليلاً عن 20% من واردات الصين لكن اتفاقية عام 2018 بين قطر غاز وشركة بتروتشاينا التي نصت على تزويد 3.4 مليون طن إضافية من الغاز الطبيعي المسال القطري لمدة 22 عامًا تضيف 10% أخرى إلى إجمالي واردات الصين من الغاز الطبيعي المسال من الدولة الخليجية.
من الطبيعي أن يرفع هذا المستوى من الاعتماد على الواردات القيمة الاستراتيجية للمنطقة بالنسبة لبكين، مما يؤدي إلى تحول سياسي أصبح واضحًا خلال السنوات الأخيرة. في عام 2016، أصدرت الصين أول تقرير يوضح سياستها تجاه العالم العربي، كما زار الرئيس شي جين بينج المنطقة في عامي 2016 و 2018. لهذا أصبحت بكين مهتمة بشكل متزايد بحماية مصدر أهم وارداتها الاستراتيجية، كنشر أسطول مكافحة القرصنة في المحيط الهندي منذ عام 2008 وافتتاح أول قاعدة عسكرية لها في جيبوتي في عام 2017. كما أن الدبلوماسيين الصينيين أكثر تواجدا في المنطقة، وقد تحول المبعوث الخاص لشؤون الشرق الأوسط من دور يركز على القضية الإسرائيلية الفلسطينية. إلى دور يشمل مسؤولية دبلوماسية إقليمية أوسع.
وفي الوقت نفسه، فإن دول الخليج تدرس الصين بشكل أكثر استراتيجية. ليس الأمر فقط أن الصين تعتمد على الخليج لحاجتها للطاقتها، ولكن بشكل متزايد، يعتمد الخليج على الصين لرفاهها الاقتصادي. في عام 2018، وفقًا للبيانات التي جمعتهاصحيفة واشنطن بوست، كانت الصين ثاني أكبر مستهلك للنفط السعودي، بنحو 16% من إجمالي الصادرات السعودية، خلف اليابان مباشرة. من المحتمل الآن أن تتخلف اليابان بالنظر إلى النمو الهائل في الشهية الصينية لواردات النفط السعودي في عام 2019. وبالمثل، فإن الصين هي الرائدة أو أحد العملاء الرائدين لجميع منتجي النفط الخليجيين الآخرين.
حتى فيما يتجاوز النفط، تعد الصين الشريك التجاري الأكثر أهمية لدول المنطقة. وهي الشريك التجاري الأهم لدول مجلس التعاون الخليجي وتعمل كواحدة من أهم شركاء الاستثمار في المنطقة.
على هذا النحو، تنظر دول الخليج الآن إلى بكين باعتبارها درسًا مهمًا لتقييم حساباتها الاستراتيجية، وتقديم امتيازات قيمة في حقول النفط للشركات الصينية، وشراء المعدات العسكرية الصينية، وتوقيع اتفاقيات الشراكة الاستراتيجية. حتى القوة الناعمة للصين تتزايد أيضًا – في الإمارات، على سبيل المثال، تم تعيين مدرسين لتقديم دروس لغة الماندرين في ستين مدرسة، وأقامت الحكومة احتفالات رأس السنة الصينية الفخمة، وأضاءت المعالم الوطنية برسائل دعم عامة للصين خلال تفشي فيروس كورونا الحالي.
وبالتالي، تبدو الحسابات الاستراتيجية على جانبي المعادلة في تطور، حيث تصبح الصين أكثر اعتمادًا على الخليج والعكس صحيح. الصين ليست ملتزمة بعد بالمنطقة خاصة في أي مكان قريب من الولايات المتحدة، وعلى الرغم من التعليقات التي تفيد بعكس ذلك، فإن الولايات المتحدة لن تتخلى عن المنطقة لأنها تواصل السعي لتحقيق مجموعة من الأهداف بما في ذلك: ضمان حرية الملاحة ودعم إسرائيل وردع إيران وقمع الحركات الإرهابية والمتمردة. لكن الرمال تتغير، والنفوذ الإقليمي للصين ينمو، ومع مرور الوقت، من المرجح أن تزداد رغبة بكين في تقديم المزيد وبدورها ستزداد رغبة دول الخليج للترحيب بمجموعة من المبادرات الاستراتيجية.