كيف ستؤثر أزمة فيروس كورونا على صناعة الدفاع؟
- أحمد ليثي
- Apr 16, 2020
- 7 min read


نُشر في مركز الإنذار المبكر
ترجمة: أحمد ليثي
من الواضح أن العالم قد استخف بفيروس كورونا ، من حيث قدرته على الانتشار وما يترتب على ذلك من إيقاف للشركات بل للاقتصاد بشكل عام. الأمر الذي دفع العديد من البلدان إما لتطبيق الحظر الجزئي أو الحظر الشامل بما ساهم في التأثير على أحوال الشارع والصناعات كذلك.
قد تكون هذه الإجراءات مفيدة لبعض الصناعات، مثل تجارة السلع الاستهلاكية سريعة التنقل، والتجارة الطبية، نظرًا لنمو الطلب غير المتوقع نتيجة ما يسمى بذعر الشراء، بينما بالنسبة لبعض الصناعات الأخرى، مثل الفندقة والطيران المدني، فقد أدى الوباء إلى تراجع حاد. إلا أنه من الهام جدًا أن نلاحظ أن تأثير الوباء سيكون واضحًا جدًا على المدى القصير بالنسبة لبعض الأنشطة التجارية، فيما سيستغرق وقتًا أطول حتى يظهر تأثيره على بعض الأنشطة الأخرى. وينطبق هذا الأخير بشكل خاص على الصناعات التي تتعرض لعدد كبير من العوامل الخارجية –السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وتقع صناعة الدفاع ضمن هذه الفئة.
في حين أنه من السابق لأوانه التنبؤ بدقة ما إذا كانت صناعة الدفاع ستشهد ركود ، أو ستتراجع تراجعًا كبيرًا أو ثانويًا، أو أنها ستنمو غير متأثرة بالوباء العالمي، فمن الأهمية أن تحدد شركات الدفاع نقاط التأثير الرئيسية وتقيّم إمكاناتها للتأثير على خطط تطوير الأعمال وسلاسل التوريد . الأمر الذي سيساعد على تشكيل تدابير وقائية، ما يمكن أن يساعد الشركات على تجاوز الأزمة.
ويمكن رصد التأثيرات التي ستطال صناعة الدفاع في ظل انتشار فيروس كورونا في النقاط الخمس التالية:
قد تتأثر مرافق الإنتاج والتصنيع وسلاسل التوريد.
قد تتأثر جهود تطوير الأعمال الدفاعية، حيث سيخسر البعض، وقد يفوز البعض.
قد ينخفض الطلب على معدات الدفاع والخدمات ذات الصلة.
قد تضطر الشركات إلى اتخاذ خيارات صعبة قد تؤثر على الموارد المالية والكفاءات.
سيؤدي انخفاض أسعار الأسهم إلى آثار ثانوية أخرى.
تختلف تأثيرات كل نقطة من النقاط الرئيسية المذكورة أعلاه بناء على حجم شركات الدفاع وطبيعة الأعمال ومحافظ المنتجات، وتوابع سلاسلة التوريد وخطط الأعمال،ومنها:
الصدمات الجانبية للتوريد: الإنتاج والتصنيع وسلسلة التوريد
ربما تكون الصدمات الجانبية للتوريد من أكثر الآثار وضوحًا لتأثير الوباء على قطاع الدفاع. وذلك يرجع لأن الشركات التي تقع في البلدان التي تضررت بشدة من الفيروس أو تلك التي تعتمد على سلاسل التوريد الموجودة في البلدان المتضررة هي الضحايا المباشرة للوباء.
مثال على ذلك شركة فينكانتييري الإيطالية، التي قامت بتعليق عمليات بناء السفن حتى 29 مارس 2020. وهي شركة كبيرة تبني سفنًا حربية ذات تصميم معقد ومشارك رئيسي في برنامج التوسع البحري في قطر. إذ تعاقدت الشركة مع دولة قطر على تسليم أربعة طرادات إلى البحرية القطرية. وعلى الرغم من أنه قد تم تسليم إحدى الطرادات في وقت سابق من هذا العام، إلا أنه لا يمكن دفع عمليات تسليم أخرى إذا مددت الشركة إغلاق منشآتها – وهو مسار محتمل للعمل إذا لم تتمكن إيطاليا من تخفيض منحنى نموفيروس كورونا قريبًا. ليس هذا فقط، فمع ارتفاع حالات الإصابة بالفيروس في أوروبا الغربية، فقد يدفع هذا العديد من شركات الدفاع الأخرى مثل نافنتيا وإندرا سيستيماس الإسبانيتان على سبيل المثال إلى الإغلاق الجزئي أو الكامل أوتنظيم الأداء، الأمر الذي يؤثر على قوائم انتظار الإنتاج والتسليم.
من ناحية أخرى، ستؤثر طبيعة سلسلة التوريد وأنماط الموارد لقاعدة صناعة التكنولوجيا على الإنتاج، حيث من المرجح أن تواجه طوابير الإنتاج ذات سلاسل التوريد المتفرعة قيودًا على توريد منتجاتها. الجدير بالذكر هنا أن قاعدة صناعة تكنولوجيا الدفاع في أوروبا تتمتع بحصة عادلة من سلاسل التوريد المتفرعة، مع مكونات وأنظمة فرعية مختلفة من أصول ومصادر مختلفة تدخل في برنامج عمل أو حل نهائي. قد يؤثر أي تنظيم أو إعادة ترتيب وظائف الإنتاج في سلاسل التوريد على الإنتاج الدفاعي، إلا أنه لا يمكن استبعاد مثل هذه الإجراءات، خاصة إذا قامت الحكومات بتحويل مرافق تلك الشركات لتصنيع المعدات الطبية مثل أجهزة التنفس الصناعي.
تلعب العوامل التكنولوجية ونماذج التصنيع دورًا في فهم مستوى التأثير، على سبيل المثال، من المحتمل أن تكون شركات الدفاع ذات المصانع المؤتمتة أقل تأثرًا بالتباعد الاجتماعي. وبالمثل، تلك الشركات التي لم تنتقل بشكل كامل إلى نماذج تصنيع معينة مثل الإنتاج عند الطلب قد يكون لديها مستوى أكبر من المخزون، وبالتالي يمكن أن تكون قدارة على التعامل مع الصدمات الجانبية للتوريد لفترة أطول من الزمن.
التأثير على تطوير أعمال الدفاع
يختلف تطوير الأعمال في صناعات الدفاع إلى حد ما عن العديد من الصناعات الأخرى، التي تتميز بفترات تفاوض طويلة، والتزامات مطولة، ومخاطر كبيرة، والتعاون بين الحكومات، واختبارات التقييم الشامل، والاجتماعات المباشرة. إلا أن السيناريو الحالي لا يبشر بالخير من جهة تطوير الأعمال في هذه الصناعة. فالعديد من برامج المشتريات عالية القيمة تتم مناقشتها ووضع اللمسات الأخير خلال عروض صناعات الدفاع في المعارض المختلفة. لكن لم يعد من المؤكد إقامة أي من هذه المعارض حالياً، ومثال ذلك معرض EUROSATORY 2020 المقرر إنطلاقه في يونيو في باريس، حيث لا يوجد تأكيد على إمكانية إقامته حتى الآن . كما تنخفض سبل تطوير الأعمال على الرغم من أن الاجتماعات والمناقشات قد تستمر من خلال عقد المؤتمرات عن بعد، إلا أنه من غير المحتمل اتخاذ القرارات النهائية المتعلقة بالمشتريات عالية القيمة من خلال المؤتمرات عن بعد. النقطة الأخرى التي يجب ملاحظتها هي أنه إذا لم يتم تطوير لقاح أو علاج للفيروس، فإنه لا يمكننا استبعاد ظهورة مرة أخرى، وبالتالي عودة الإجرءات المرتبطة بانتشاره مثل الحظر الجزئي أو الشامل الذي يمكن أن يعرقل عملية تطوير الأعمال.
من المؤكد أن التدريبات العسكرية وجه آخر لتطوير الأعمال الدفاعية غير المباشرة. إذ تعرض هذه التدريبات المعدات الأجنبية وقدراتها على المشترين وصناع القرار في الدول التي من المحتمل أن تشتري هذه المعدات. وقد علقت الدول الكبري مثل الولايات المتحدة بالفعل جميع عمليات السفر والانتشار وتدريبات القوات. أما إذا تفاقم الوباء، فلا يمكن استبعاد عمليات الإلغاء او إعادة الجدولة، ومع محاولة القوات العسكرية في كثير من الحالات الحد من معدلات الإصابة، إلا أن تأثير هذه الضربة القاضية يمكن أن يفاقم الوضع. كما أن التوقف عن التدريبات العسكرية أو تخفيضها سيقلل من وقت التفاعل والاختبار والتقييم غير الرسمي للمعدات، الأمر الذي سيقلل من إمكانات تطوير الأعمال التي تظهر مع التمرين – خاصة مع الاتجاه الأخير الذي يحبذ استخدام التمارين لتقليل آثار الجداول الزمنية للمشتريات.
الحكومات ترتب أولوياتها للإنفاق على الدفاع والمشتريات
تخصص الدول الكبرى التي تنفق على الدفاع ما يقرب من 2% او أكثر من إجمالي الناتج المحلي للإنفاق على الدفاع، وهو مبلغ كبير. أما إذا كان ستعيد البلاد أولوياتها للإنفاق على الدفاع أم لا، فهذا يتوقف على عدد من العوامل الأخرى، الاقتصادية منها والاجتماعية، إذ سيتعين على البلدان المتضررة بشدة من الوباء من دعم الإنفاق على الرعاية الصحية – قد يتعين عليها مثلاً توسيع قدرات المستشفيات – أو يتعين عليها شراء معدات جديدة، وإنتاج المزيد من الخدمات. وسيعتمد مقدار زيادة الإنفاق على الرعاية الصحية بدوره على عوامل أخرى مثل الحالة الحالية للرعاية الصحية، واستراتيجيات الحظر الجزئي أو الشامل، وحتى المسؤولية المدنية للمواطنين لمواجهة العدوى. قد تحتاج البلدان التي لديها بالفعل بنية تحتية ضعيفة أو غير كافية للرعاية الصحية إلى إنفاق الكثير للتعامل مع العدوى أكثر من الدول الأخرى التي لديها رعاية صحية قوية.
من المحتمل أن تضطر الحكومات حول العالم إلى إنفاق المزيد على الضمان الاجتماعي. قد تضطر الحكومات أيضًا إلى مساعدة العديد من الشركات من خلال منح القروض منخفضة الفائدة وإعانات الفائدة على القروض الحالية. إذا كانت الحكومات في وضع مالي لا يسمح لها بذلك، مع سيولة منخفضة، واحتياطيات محدودة، وسبل غير مناسبة للاقتراض، في نهاية المطاف يجب أن يتم الوفاء بهذا عن طريق الإنفاق غير المتوقع من خلال توجيه الأموال المخصصة للمكونات عالية القيمة – بما في ذلك مخصصات الدفاع. في حين أن شركات الدفاع الكبرى قد يكون لديها بعض خطط الطوارئ في انتظار سيناريو لأسوأ الحالات، فإن الوضع في الشركات المحلية الصغيرة والمتوسطة التي تواجه مخاطر السيولة ولديها مستويات عالية من الديون في ميزانياتها العمومية قد لا يكون جيد للغاية. ستحتاج هذه الشركات إلى عمليات إنقاذ أو شكل من أشكال الدعم النقدي للاستمرار.
من المحتمل اتخاذ قرارات صعبة في المستقبل
بينما لا تتأثر صناعة الدفاع حاليًا مثل العديد من الصناعات الأخرى، إلا أننا بحاجة إلى أن نضع في اعتبارنا أن عقود مشتريات الدفاع هي عقود ذات قيمة عالية جدًا وتمثل خسارة محتملة للأعمال بسبب انتشار الفيروس الذي يؤدي إلى سيناريو أسوأ الحالات، ما يعني أن هذه الشركات قد تفقد مبيعات متوقعة تبلغ قيمتها مئات الملايين من الدولارات. ولهذا قد تضطر الشركة إلى اتخاذ قرارات صعبة بشان كيفية إدارة الأعمال في المستقبل.
إن الحفاظ على جميع خطوط التجميع والقوى العاملة النشطة في مواجهة انخفاض المبيعات هو وضع صعب قد تواجهه شركات الدفاع. تواجه الشركات في هذه المرحلة أسئلة صعبة: هل تحافظ على مستوى القوى العاملة أم تقلل من خطر فقدان الأشخاص ذوي الخبرة؟ هل يؤجلون المدفوعات للبائعين؟ هل يلجأون إلى الحكومات للمساعدة؟ هل يقومون بتحويل ميزانيات البحث والتطوير نحو دفع الرواتب ويتعرضون إلى خطر فقدان الميزة التكنولوجية؟ هل يقومون بنقل مواقع الإنتاج؟ كيف سيحافظون على ثقة المساهمين؟ يجب أن تعمل شركات الدفاع على إثبات نفسها في المستقبل ويجب أن تكون مستعدة بإجابات على مثل هذه الأسئلة من أجل التعامل مع الشكوك الناشئة عن الصدمات الناجمة عن الوباء.
التأثيرات الثانوية بسبب انخفاض أسعار الأسهم
إن إلقاء نظرة على مخزون شركات الدفاع التي ظهر عليها صدمات واضحة من أثر الوباء يرسم صورة مقلقة. من تاريخ 10 فبراير حتى الآن، انخفض سعر سهم لوكهيد مارتن الأمريكية بنحو 28%، وسعر سهم شركة ليوناردو الإيطالية بنسبة 55%، وسهم تاليس الفرنسية بنسبة 33%، وفينكانتيري الإيطالية بنسبة 32%. حيث يتم تداول أهم بعض شركات الدفاع حاليًا في ادنى سعر لها في السنوات الخمسة الأخيرة. وفي حين أن التداول في الأسواق الثانوية لا يؤثر بشكل مباشر على مدخول الشركات، فعلينا الحذر بشأن عواقبه غير المباشرة. إذ أن الشركات التي خططت لإصدار أسهم في السوق الأولية لتمويل استثمارات رأس المال قد تضطر إلى التأجيل لأن أسعار الأسهم المنخفضة تضر بالعروض العامة الناجحة. كما يجب تأجيل خطط توسيع الأعمال. النتيجة أخرى أكثر إثارة للقلق لهذا يمكن أن تكون خسارة محتملة للسيطرة أو الاستحواذ في حالة شراء كيانات أخرى الأسهم الرخيصة لشركات الدفاع. ولهذا قد تضطر شركات الدفاع إلى اللجوء إلى إعادة شراء الأسهم من أجل منع حدوث مثل هذه الأمور، مما يؤدي بدوره إلى المزيد من النفقات وفقدان السيولة للشركة، في وقت يكون فيه التوفير ضرورة المرحلة.
السيناريوهات المحتملة للتعامل مع الأزمة
1- إن اكتشاف لقاح أو علاج للفيروس في غضون بضعة أشهر والاحتواء الناجح خلال فترة التوقف يمكن أن يترك الصناعة أقل تأثراً. وقد يتم إرجاء بعض العقود وتأجيل بعض معارض الدفاع وإجراءات تطوير الأعمال إلى مواعيد لاحقة، ولكن بشكل عام قد تكون القطاعات الدفاعية مجرد خط ثابت أو حتى تظهر نموًا طفيفًا بسبب الطلب المؤجل في نهاية العام. قد تكون النكسات أمرًا مؤقتًا فقط.
2- إذا استغرقت عملية اكتشاف اللقاح أو العلاج وقتًا أطول بكثير من المتوقع، ولم تثمر جهود الاحتواء في فترة التوقف إلا عن نجاح محدود، فقد نرى انخفاض الإنفاق الدفاعي وضغوط جانبية على التوريد تجعل شركات الدفاع توجه قرارات صعبة. المؤكد أنه لا يوجد حل سحري للتغلب على هذا السيناريو. سيتعين على كل شركة أن تتخذ مجموعة مختلفة من الخيارات بعد النظر بعناية في أوضاعها المالية، والظروف التي تمر بها أسواقها المستهدفة، والضغوط التي تتعرض لها سلاسل التوريد، والعديد من العوامل الأخرى.
3- إذا كان اللقاح أو العلاج بعيد المنال تمامًا ، فإنه يتوجب علينا أن نتعلم كيف نتعامل مع فيروس كورونا تمامًا كما تعلمت البشرية التعامل مع عدد لا يحصى من الأمراض الأخرى. في مثل هذا السيناريو قد يكون الاستمرار في استراتيجية الحظر الكلي أمرًا غير عملي، وستعين على الشركات اللجوء إلى الحكومات للجوء إلى الحظر الجزئي، كما سيتعين علينا “العيش مع الفيروس” لكن على شركات الدفاع أن تكون مستعدة للحظر الكلي ما إذا حدث تصاعد للفيروس مرة أخرى.
توصيات من أجل المستقبل
بغض النظرعن كيفية معاودة ظهور الفيروس، هناك بعض الدروس الشائعة التي يجب أن تتعلمها صناعة الدفاع، وهي:
1- يجب قبول عدم اليقين في عالم اليوم كقاعدة، ويجب على صناعة الدفاع استكشاف جوانب متعددة من التخطيط للمخاطر.
2- لا ينبغي أن تركز الاستراتيجية على النمو فحسب، بل يجب أن تتضمن تخطيط الموارد القائم على التخطيط للمصادر واستبدال المواد. مبادئ التصنيع التي دعت إلى زيادة الكفاءة وخفض التكاليف من خلال الحفاظ على الحد الأدنى من المخزون قد لا تأخذ في الاعتبار حالات عدم اليقين التي تتبدى للعيان اليوم.
3- يمكن للتدخلات التكنولوجية التي تساهم في زيادة مستويات التشغيل الآلي واستخدام أنظمة بدون قيادة لتوصيل الموارد و المكونات بما يساعد على تقليل وقت التوقف أثناء الصدمات.