top of page
Search

أولجا توكارتشوك: رحلتى للنهر جعلتنى غازية شجاعة

  • أولجا توكارتشوك
  • Oct 13, 2019
  • 7 min read



فازت الروائية البولندية، أولجا توكارتشوك، بجائزة نوبل للآداب لعام 2018. وتم تأجيل الإعلان عن الفائز بالجائزة العام الماضى بسبب الفضيحة المالية والجنسية التى هزت لجنة التحكيم. وصفت لجنة التحكيم نتاج الروائية الفائزة بقولها: “إن الخيال الروائى الممزوج بالشغف المعرفى الجامح الذى يتجاوز الحدود هو شكل من أشكال الحياة”.


وكانت الروائية قد فازت العام بجائزة بوكر العالمية للرواية لعام 2018 عن روايتها “رحالة”، وهى أول روائية بولندية تفوز بهذه الجائزة العالمية. وتعد توكارتشوك غزيرة الإنتاج ورواياتها الأكثر مبيعا فى بلدها ونالت العديد من الجوائز عن أعمالها. ودرست توكارتشوك علم النفس فى جامعة وارسو ولدراستها الجامعية أثر واضح على نتاجها الأدبي، لذا كان أول عمل أدبى لها مجموعة شعرية نشرت عام 1989. ونشرت حتى الآن أكثر من 8 أعمال روائية إلى جانب مجموعتين قصصتين.


وإلى جانب عملها فى الكتابة الروائية تقوم توكارتشوك بالإشراف على مهرجان أدبى قرب محل سكنها فى جنوب بولندا.


ترجمة: أحمد ليثي


روايتك “رحالة” تسافر عبر الزمان والمكان، بذكاء وغموض. لقد كتبتِ ثمان روايات ومجموعتين قصصيتين – وقد كانوا جميعًا نوع من الكتب التى يمكنك أنتِ فقط أن تكتبيها، نظرًا لسياقها وكم الرحلات التى تضمنتها تلك الكتب،وذلك يعنى أنك قد اكتسبتِ خبرة التخفى فى وقت السفر؟ أتساءل إذا ما كان بوسعك أن تحدثينا عن ذلك؟

لقد كنت متخفية حتى حانت اللحظة التى أدركت فيها أنه من الجيد أن تحظى بضفائر الشعر. ثم ولى الجميع انتباههم إليّ وسألونى عنما يحدث لي، ثم كان عليّ نتيجة لذلك أن أفسر أن تلك الطريقة ما هى إلا أسلوب بولندى قديم جدًا من قصة الشعر. هو امر يرجع إلى السكان الأصليين. لكن نعم، أعتقد أن النساء يدخلن إلى عالم التخفى عندما يعبرن عامهم الأربعين. وهذا ما حاولت وصفه فى كتابي، الكتاب كان به جوانب جيدة ومظلمه من تلك الحالة الوجودية. الجانب الجيد هو أنه كان هناك راو مثالي، ذلك أنه لا يوجد شخص قد لاحظ أنك تشاهده أو تشاهدينه. وهكذا، يكون مثلك مثل العيون الجوالة، تسافر عبر العالم وتلاحظ كل شيء من دون أن تُلاحظ، لذلك، هذا وضع جيد جدًا.


هذا الكتاب مليء بالحكايات التى تجعلك تشعر أنها قد جُمعت ونُسقت، وأتساءل إذا ما كان بوسعك أن تمنحينا إشارة عن نسبة القصص المجمعة والمنسقة. ذلك أنه فى حالات كثيرة فى الرواية يكون الراوى أجنبيا غير مسمى يجرب حديثًا مع مسافر ما. هل ابتكرتِ أصالة الواقع أو أن الكثير من تلك الأحداث قد بُنيت على خبرة واقعية؟

أغلب تلك الحكايات مبنية على خبراتى كرحالة، لكن ليس كلها، إذ أن الراوى فى ذلك الكتاب قد جرى خلقه وتصميمه. على سبيل المثال، الشيء الأول انك تكتب رواية مجمعة، وهكذا ستكون الرواية قد أُنشئت من شذرات صغيرة، وعليك أن تفعل شيئا ما يجعلها متماسكة. الشيء الذى أدركته من البداية هو أنى يجب أن أحظى براوٍ قوى جدًا. وبالطبع قد خلقت هذا الراوى من منظورى الخاص ووجهات نظري، وصفاتي، وهكذا.

لكنى كنت على يقين أن ذلك الراوى يمكن اعتباره نوعا من المادة التى تكون مجرد ممر فى بداية هذا الكتاب عندما أعرض فحوصات الدم لهذا الراوي. وهكذا سيكون بوسع القارى أن يعرف تفصيلة مادية وعضوية عن ذلك الراوي. لنكون على يقين من أن ذلك الراوى يمكن أن يكون حقيقيًا. نعم العديد من النقاط كانت وجهات نظرى ورؤاي، لكن فى أحيان أخرى تعودت أن أتجاهل نفسى وأتظاهر أنى شخص آخر. وهذا هو النوع من حرية الكاتب الذى أحبه كثيرًا، وربما كان السبب الحقيقى أيضًا فى أنى أفضل أن أكون كاتبة على أن أكون نفسانية.


لديّ فضول أولجا إذا ما كان بوسعك أن تتذكرى أول رحلة فى حياتك؟

عندما كنت طفلة نشأت فى زمان مختلف اختلافًا تامًا عن ذلك الزمان الذى نعيش فيه الآن، ذلك أن الأطفال كانوا أحرار. وكان بوسعهم أن يذهبوا خارج فناء منزلهم، وبعيدًا عن الحدائق العامة، ولم يكن هناك متحرشون بالأطفال حولنا. لا أعرف، لقد كان عالمًا مختلفًأ. لذلك، كطفلة، أحببت بشدة أن اكتشف مساحتي. تعودت أن أصنع نزهات طويلة وقصيرة، وواحدة من تلك النزهات كانت ذهابى إلى نهر أودر، والذى كان يبعد عن منطقتى بمسافة 2 كيلومتر، ولذلك كان على مبعدة من بيتى بمسافة 1 كيلومتر. وانتابنى شعور لأول مرة فى حياتى أنى صرت غازية. ثمة شخص صار شجاعًا جدًا، شخص قد فعل شيئا لم يفعله غيره من قبل. وهذا كان خبرة مهمة جدًا لى كطفل يستكشف العالم وقد أدى هذا إلى أن يكون العالم أكثر أمانًا ومكانا أكثر موثوقية بالنسبة لي.


لكنى لا أعتقد أن أطفال اليوم يحظوا بتلك الخبرة، أن يستكشفوا مساحتهم الخاصة حولهم. وأنا ما أزال أتذكر اللحظة التى وصلت فيها إلى النهر، والنهر كان ضخمًا، وساحرًا. لقد شعرت أنى “فعلتها” قلت لنفسي. لم أبتعد إلا ميلا واحدًا عير أنها كانت خطوة هائلة تجاه الإنسانية.


ثمة شيء فى هذا الكتاب يتعلق بالعناصر، تواصل المياه ظهورها فى الكتاب، كما أن الحيتان موجودين بشكل أو بآخر يسبحون عبر الكتاب. الأمر يشبه رحلة حقيقية، بشعور كلاسيكي، ينتهى أو ينتقل عبر المياه. هل تعتقدين أن هناك شيئا أسطوريا فى المياه؟ ذلك أننا نتوق إليها بشكل أو بآخر؟

بالطبع، ثمة مجاز فى لا وعينا. هو بسيط لكنى أعتقد أنه يعمل: أعتقد أن المياه تشبه الحدود، رمزًا للحدود التى يمكننا عبورها. سفينة، قارب، أنه نوع آخر من الرمز. أعتقد أن ما هو موجود فى وعى الأمريكان أنك يجب أن تعبر تلك المياه. الامر هو أنك خلف المياه من المنظور الأوروبي. لكن ذلك مهم جدًا. كما أن المياه شيء مسطح أيضًا، شيء خطير، لكنها أيضًا شيء مجدي، تمنح القوة من أجل نمو النبات.

لذا، الأمر يشبه وعاء لا ينتهى من المعاني. وبالنسبة لي، أعتقد أنى بينما كنت استكشف خرائط الطفولة، اكتشفت مبكرًا أن شكل الأنهار تماثل تمامًا شكل أعصاب وأوردة الإنسان. هذا الكتاب عميق الجذور فى فواجع الحياة. ذلك ان الأشياء الكبيرة مماثلة للغاية للأشياء الصغيرة. وهكذا، نحن نعيش فى نموذج مصغر، ما يعنى أنه – كما تعلم – مترابط على عدة اتجاهات وأصعدة، الأمر هو أن هناك شيئا خارقا للطبيعة فى الفواجع.


ينتابنى الفضول، ذلك انك قبل أن تتعمقى فى هذا الكتاب، قد أجريتِ دراسة نفسية مضمنة فى كتابك فى الحياة المبتكرة للراوي. ويونج، كما قرأت مهمًا بشكل خاص بالنسبة لكِ، بأى شكل قد أثر ذلك عليكِ أنت تحكين القصص؟

أمى كانت معلمة للأدب البولندي، أما أنا، فقد وُجهت بطريقة ما على أن أدرس الأدب، كما فعلت هي. لكن لحسن الحظ كنت مراهقة فى عراك دائم معها، كنت فى مرحلة من التمرد الكبير على والداي، وذلك الامر كان شيئا سبب لى حالة وجودية صحية جدًا فى الحقيقة. ولذلك، قررت أن لا أدرس الأدب وأن لا أفعل أى شيء حيال الأدب. أما علم النفس فقد كان حياتي، أقول ذلك من أعماق قلبي، ولقد كنت على قناعة بدراسة علم النفس. لكن عليك أن تضع فى حسبانك أن ذلك كان فى أوائل ثمانينات القرن الماضى فى بولندا، ولقد كان زمنًا قاتمًا. أحكام عرفية، متاجر فارغة، ونوع من الإحباط العام المشترك فى بلدنا. لذلك، كان علم النفس نوعا من الهرب من الواقع بشكل ما, وبالطبع كنت قد قرأت سيجموند فرويد فى المدرسة الثانوية وكان ذلك الانطباع الاول الذى انطبع فى من علم النفس. اعتقدت بسذاجة أن دراستى كلها ستتركز على سيجموند فرويد. لكن بالطبع لم يحدث ذلك، ذلك أن البلاد عندما كانت تحت حكم الشيوعيين كان على الأكاديميا والعالم الجامعي، أن يركزا على الفهم السلوكى للإنسان. لكن دراسة علم النفس قد مكننى بسرعة من بدء العمل مع المرضى. كنت متطوعة من البداية. ثم وقعت على اكتشافى الاكبر: أن الحقيقة يمكن أن ينظر إليها طبقًا للعديد من وجهات النظر.


ربما كان هذا الامر الآن فى القرن 21 بسيطًا، لكن حينها، منذ سنوات عدة، كان الامر بمثابة ثورة بالنسبة لي. ذلك أن هذا يعنى أنه لا يوجد هناك حقائق موضوعية، لكننا يمكن أن ننظر إلى تلك الحقيقة من عدة وجهات نظر. أتذكر واحد من مرضاى الأوائل – كانت عائلة وكان لديّ أخوان وكان عليهم أن يخبرانى عن قصة عائلتهم. ولقد حكيا كلاهما قصص مختلفة تمامًا عن العائلة نفسها. حينها قلت، “حسنًا. ما الذى يعنيه هذا؟” أعتقد أن تلك كانت خطوتى الأولى للكتابة لأنى لا أزال أصرّ ان الكتابة هى النظر إلى رؤية محددة وخاصة جدًا للحقيقة وهذا واضحًا للعديد من الناس. ونحن، ككتاب، علينا أن نكتشف رؤى محددة قادرة على تغيير تلك المنظورات، ما يعنى أن هناك شيئا جديدا فيما ندركه. هل هذا، هل ما أقوله واضحًا؟


واضح بما يكفي. ما هو رائع فى هذا الكتاب هو كيف يقودك صوت فى منتصف الكون عبر تلك القصص، كل صوت منهم يستمر إلى أقل من خمسةصفحات، فى بعض الاحيان أكثر من ذلك، اولجا، يوجد الكثير من من النماذج البشرية فى هذا الكتاب، لكن من الواضح أن لديك اهتمامًا كبيرًا بالجسم، متى اكتشفتِ الطريقة التى تربطين بها الأسئلة المجازية والميتافيزيقية الخاصة بالجسد؟

أتمنى لو أن بإمكانى الإجابة على هذا السؤال، لكن لأكون صادقة معك، لا أتذكر متى حدث ذلك، متى ربطت الامرين معًا، لا أتذكر حقًا، لقد كتبت هذا الكتاب قبل 12 أو 13 عامًا. وأعتقد أن بداية فكرته كانت ازمة حياتى فى متوسط العمر. أتذكر تلك اللحظة فى حياتى عندما كنت جالسة فى غرفة الانتظار حتى أدخل إلى الطبيب وأجرى بعض فحوصات الدم وأشياء من هذا القبيل. حينها أدركت أنى أعرف أشياء كثيرة عن الفضاء الخارجي، مثل أين توجد الكواكب، والعديد من الأشياء حول جغرافية الأمازون وما إلى ذلك، لكننى لا أعرف كيف يعمل الكبد، كيف تسير عروقى تحت بشرتي؟ أدركت أن ذلك نقص مروع فى المعرفة، وأنى يجب أن أكون مريضة حتى أتعرف على جسدي.


بعد ذلك قمت بالسفر واجريت العديد من البحوث لهذا الكتاب، اكتشفت بالطبع الهوس الذى استقر فى هولندا بأكملها، لقد شعروا بما شعرت به فى غرفة الانتظار لكن قبل ثلاثمائة عامًا. ما الذى يحدث لأجسادنا؟ لماذا يظل هذا لغزًا لنا. حينها فقط، بدأت فى دراسة تاريخ التشريح. والحمدلله أن كان لديّ الوقت لذلك، إذ حصلت على منحة دراسية فى أمستردام لأقضى سنة واحدة فى دراسة تاريخ علم التشريح. والنقطة الحاسمة للغاية كانت هذا الكتاب، كما أن الوقت الذى أطلقت فيه كتابى كان هو نفسه الوقت الذى أطلق فيه كتابين كبيرين عام 1574، الأول كتاب شهير اخبرنا كيف تم بناء الكون، وكيف كان يعمل، وفى الوقت نفسه نُشر أطلس أندرياس فيزاليوس للجسم البشري، فى ذلك الوقت وهذه السنة بالذات، تم ربط هذه العوالم المصغرة. بالطبع اعتمد الكتاب على الحدس، لذلك فى بعض الأحيان كان من الصعب شرح ما أعنيه حقًا، لكن نعم، هذا نوع الغموض الذى أحببته فى كتابة هذا الكتاب، يجب أن تثق فى حدسك الخاص، وأحيانا ما يكون هذا الحدس مجنونًا، وربما قد تشعر أن لديك هاجسًا ما.


أحد علماء التشريح فى الكتاب بعد تشريحه – نسيت إذا كان يشرح جسد حيوان أم إنسان – كان يشعر بنوع من الطمأنينة إلى أن الجسد مجرد آلة. وأتساءل ما إذا كنتِ توافقين على ذلك. هل عندما أرى شخصا ما يموت سيكون رد فعلى هو “أوه، جسده يشبه آلة مقدسة” أتوافقين على ذلك؟

أنا لا أوافق على ذلك، ويبدو لى أنها وجهة نظر قديمة للغاية، الامر يشبه بداية مرحلة التنوير عندما بدأ الناس يفكرون فى العالم كمجموعة من الآليات والألعاب. لكن أعتقد أن الجسد لا يزال لغزَا، لا نعرف حتى الآن – حتى لو كان لدينا علمًأ ضئيلا – كيف يعمل الدماغ بشكل كامل. ما زلنا لا نجيب على الأسئلة الكبيرة فى عصرنا، كيف يعمل الوعي؟ لماذا يوجد لدينا شعور بأننا منفصلون عن بقية الواقع. لماذا نشعر بأننا منفصلون عن بعضنا البعض، ما أود أن أقوله أن طريقة عمل الوعى لا تزال غامضة للغاية.

© 2023 by EDX. Proudly created with Wix.com

bottom of page