top of page
Search

إيمانويل تود: الطبقة الوسطى الفرنسية لم تعد وريثة الثورة.. حوار

  • إيمانويل تودد
  • Jun 30, 2019
  • 9 min read



إيمانويل تود فيلسوف وعالم الاجتماع والأنثروبولوجيا الفرنسي، كان أول من تنبأ بأنهيار الاتحاد السوفييتى فى وقت مبكر من حقبة السبعينات. استند فى ذلك الى معطيات ديموغرافية، أهمها ملاحظة التزايد النسبى لوفيات الأطفال فى الاتحاد السوفييتي، الأمر الذى دفعه إلى مراكمة سلسلة ملاحظات أخرى حول مناحى الضعف فى الاقتصاد والمجتمع السوفيتيين.


نحن نواجه الموجة الأكثر أهمية من اللاجئين منذ الحرب العالمية الثانية. وعلى الجانب الآخر، لا تزال الأعمدة المتبقية تحمل البناء الأوروبى الذى تضرر بشدة بسبب أزمة الديون السيادية، والذى يبدو أنه على وشك الانهيار، كيف تقيم هذه الأحداث؟

قبل كل شيء، على المرء أن يشدد على أن أزمة اللاجئين بالنسبة لفرنسا هى ظاهرة أيديلوجية خالية من المضمون، وذلك بكل بساطة، لأن المهاجرين لا يريدون أن يجيئوا إلى هنا. والحق أن هذا مهين جدًا لبلدنا، ذلك أن القدرة على جذب المهاجرين هو إشارة على الديناميكية. والشيء الأول يتعلق بحقيقة أن الوضع الديموغرافى فى فرنسا مرض، كما أن معدل الخصوبة هو اثنان لكل امرأة، لكن بشكل خاص، يتعلق الأمر بحقيقة أن الكثير من الشباب هنا عاطلون عن العمل.


غير أن الوضع مختلف تمامًا فى ألمانيا، فهى بلد تقاتل ضد الشيخوخة الديموغرافية، وعليها أن تأخذ حذرها بشكل دائم من قوة العمل لديها. الحال أن ألمانيا واليابان، وهما دولتان عملت عليهما كثيرًا لديهما حاليًا أكبر السكان سنًا فى العالم، ويبلغ متوسط عمر الشخص على التوالى 46.2 سنة و46.5، بينما متوسط عمر الشخص فى الولايات المتحدة 38 عامًا، و40 عامًا فى بريطانيا، و41.2 عامًا فى فرنسا.

لكن الفرق بين ألمانيا واليابان هو أن الأخيرة رفضت اللجوء لحل الهجرة المكثف واستسلمت لإدارة التدهور الخاص بها، أما ألمانيا، كانت على تناقض تام بهذا الصدد، فعلى الرغم من أنها واحدة من أكثر الدول تقدمًا فى السن على مستوى العالم، إلا أنها لم تتخل بأى حال من الأحوال عن القوة الاقتصادية.


بالإشارة إلى أزمة اللاجئين، تعتبر أن ألمانيا تظهر واقعية اقتصادية فى مواجهة عجزها الديموغرافي، وليس كما تحاول وسائل الإعلام الفرنسية إقناعنا، أن المستشارة أنجيلا ميركل لديها حس عال بالمسئولية؟

لابد أن نوضح أن سياسة الهجرة التى تتبعها أنجيلا ميركل هى استمرار دقيق لما هو متبع فى ألمانيا منذ ستينات القرن المنصرم. وقبل كل شيء، على المرء أن يفهم أن الهوس الذى يسيطر على الطبقات الحاكمة فى ألمانيا هو تجديد القوى العاملة. وهنا، أتذكر الغلاف الاستثنائى لمجلة دير شبيجل فى الفترة نفسها التى كان العالم أجمع يتهم ألمانيا بتدمير الاقتصادات اليونانية والإيطالية والبرتغالية والإسبانية من خلال السياسات التقشفية، والتقليص الصارم للميزانية. صدرت المجلة بغلاف يقدم ألمانيا على أنها الجنة الجديدة لشباب جنوب أوروبا، بضحكاتهم البهيجة الشابة، ومؤهلاتهم العالية، وكفاءتهم المتوسطية. وبدا أن الجميع مدعو للمشاركة فى حسن سير الاقتصاد الألماني.


غير أن الفرنسيين متغافلون عن رؤية هذه الأشياء، لأن فرنسا لديها فكرة خاطئة عن الموضوع الذى نحن بصدده. نحن نعتقد أننا أمة عظيمة منفتحة للهجرة. والحال أن ذلك كان صحيحًا فى الماضي، لكن الحق أنه خلال تاريخها الأقدم، كانت لدى ألمانيا علاقة مبتكرة للغاية مع الهجرة، وعلى سبيل المثال، عندما أُخترعت بروسيا، كان جزءًا من سكانها قد تم جذبهم من الأجانب، ومن ضمنهم فرنسيين بروتستانت. وخلال سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية، كان يوجد بألمانيا هجرات يوغوسلافية وتركية مهمة جدًا، كما كان هناك هجرات جاءت من دول أوروبا الشرقية.


ألمانيا كانت البلد التى استقبلت هجرات كبيرة فى أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. أعلم أن هناك بعض الفرنسيين الذى يحبون الاعتقاد أن ألمانيا كانت تريد إصلاح أخطاء الماضى عندما سمحت للمهاجرين من الشرق الأوسط والبلاد القريبة أن يستوطنوها, لتظهر بمظهر الدولة الصالحة، لكن عليّ أن أقول أن ذلك التفكير سذاجة محضة. ذلك أن الألمان لا يعتبرون أنفسهم داخل هذا الإطار بعد الآن، ولا يعتقدون أن لديهم أى أخطاء يجب أن يكفروا عنها.


ومع ذلك لا يزال هذا هو الحال لوقت طويل، وقد أثقل هذا البناء الأوروبى كثيرًا؟

نعم، لكننا خرجنا من هذا الوضع تمامًا. وما شهدناه الصيف الماضي، بمناسبة الأزمة اليونانية، حدث بضمير مستريح تمامًا بين الألمان. إعادة توحيد ألمانيا حدث عام 1990. وفى خلال 25 عامًا، رمّمت ألمانيا قسمها الشرقى الذى دمرته الشيوعية، وقد عاد النظام إلى العمل فى أوروبا الشرقية بأكملها، وأدمجت سكانها النشطين ضمن نظامها الصناعي، وحطمت المنافسة فى شرق المنطقة الأوروبية وغربها، وصارت - عمليًا - المصدّر الأول فى العالم للمنتجات عالية التقنية، قبل الصين والولايات المتحدة واليابان بمدة طويلة جدًا. كل هذا بنسبة سكان متقدمة جدًا فى السن، يقترب عددهم من 82 مليون نسمة.


إذا سنحت الفرصة للمرء ليفكر مرة أخرى لدقيقة واحدة، سيقول، نعم، ألمانيا دولة غير عادية، تملك صفات التنظيم والكفاءة والجدارة فى أى حالة من حالاتها، وهى كلها صفات استثنائية، وفى ضوء هذا كله، على المرء أن يحلل موجة الهجرة التى استدعتها ألمانيا وحفزتها، والحق أنه عندما تنظر للتسلسل الكامل للأحداث ستجد أنه كان هناك بالفعل هذا النوع من الاستدعاء.


لكن اليوم، حتى فى ألمانيا، يحاول المرء أن يضع حدًا لهذا النقل الهائل للسكان، ودعنا من ذكر الجدران وأسيجة الأسلاك الشائكة التى ترتفع فى كل مكان فى الشرق. فى النهاية، هل تستحق سياسة فرنسا الحكيمة النقد فى هذا الشأن كما يردد البعض؟

فى الأساس، ما فعلته الحكومة الفرنسية لم يعد يحمل أى أهمية، وعلى كل حال، لم يعر الألمان له أى انتباه. ولنكن صرحاء، لم تعد فرنسا اليوم دولة تحاول جديًا صناعة التاريخ. أتذكر هذا المصطلح لأن أنجلز استخدمه إبان ثورات 1848، حيث عرّف التشيكيون بأنهم أمة لا تاريخية، وذلك على عكس المجريين والبولنديين الذين انتفضوا وكانوا يصنعون التاريخ.


حاليًا، الفرنسيون أمة لا تاريخية. ثمة تبدل فى الدورة. والحال انه لن تكون للانتخابات الفرنسية المقبلة أدنى تأثير فى الوقت الذى تتصاعد فيه قوة ترامب وحتى ساندرز فى الولايات المتحدة، فضلًا عن العودة الفعالة لروسيا فى الشرق الأوسط، وبالطبع مع خيارات ألمانيا. نحن نتعامل مع نقاط تحول محتملة فى تاريخ العالم.


يبقى أن ثمة واقعًا قاسيًا سيفرض نفسه على ألمانيا. والحال أنه كان من السهل استيعاب الناس من أوروبا الشرقية، وذلك لأن ألمانيا لم تحظ يومًا بتجانس عرقي، حيث جزء كبيرًا من السكان كان قد تم تصنيعه من السلافيين الذين تحولوا للألمانية. لكنه شيء مختلف تمامًا الآن، نوع آخر من الهجرة. فقد بدأ المحرك فى الطقطقة مع الاتراك بالفعل، ليس لأنهم مسلمين على عكس الجلبة التى يحدثها البعض هنا فى فرنسا، لكن بسبب أن بنية عائلاتهم أبوية، ما يعنى أنها ملائمة تمامًا للرجال، والأكثر أهمية من هذا، أنهم يتزاوجون بأهلهم.


ثمة دلالة مهمة هنا، يتمثل فى الفرق بين الأوربيين، وبين سكان شرق وغرب المتوسط، فتقاليد الزواج بين أبناء العمومة يجعل حقيقة أن نظام العائلة بينهم يتجه لأن يغلق نفسه عليهم فقط، ومن ثم السؤال ليس بشأن هل هم مسلمون أم لا، لكن السؤال هو إلى أى مدى سوف يختلف نظام عائلاتهم عن ثقافتنا التى لا تؤيد زواج الأقارب، حيث يصل معدل الزواج بين أبناء العمومة إلى أدنى من 1%.


وفى حالة المهاجرين السورييين واللليبيين، ما نوع البنية العائلية التى نتعامل معها؟

35% من حالات الزواج بين السوريين السنة هم من أبناء العمومة، و19% فقط من العلويين الذى يؤيدون بشار الأسد. ويصل الرقم إلى 36 - 37% بين العراقيين، وليس هناك أرقام موثوقة بالنسبة لليبيا، كل هذا كثير جدًا، والحال أنى أعتقد أن الملايين من سوريا والعراق وقريبًا أماكن أخرى سوف يجيئون بوحشية، وهذه فقط البداية، لأنى أعتقد أن السعودية فى الواقع فى طريقها للانهيار، فهناك تحد غير معقول فى بلد تماثل ألمانيا من حيث أعمار مواطنيها. والواقع أن ألمانيا يمكنها ان تدمج وتسيطر وتوظف بكفاءة عالية استخدام هذه الأعداد من السكان الذين يتميزون بهذه المستويات العالية من الاختلافات الثقافية فى هذا الإيقاع المتسارع، فقط حين تتصلب وتقسم نفسها طبقيًا، وسيكون الثمن التى تدفعه ألمانيا ههنا أن تتحول إلى مجتمع بوليسى أو عسكري.


كنت تبدو فى وقت ما أقل تشاؤمًا مما أنت عليه اليوم حول دمج السكان المهاجرين، لا سيما فى فرنسا، حتى أن خصومك فى بعض الأحيان كانوا يسخرون منك ويسمونك شاعر الهجرة السعيدة. كنت لا تزال تعلن فى أواسط العقد الأول من القرن الحالى أن ذلك التصلب الرجعى حول قضايا الهجرة سيندثر بمجرد الانفجار فى الزواج المختلط ووصول أجيال جديدة لا تتشارك حول هذا النوع من القلق، هل راجعت تنبؤاتك؟

الكتاب الذى كتبته حول هذا الموضوع عام 1994 «مصير المهاجرين le Destin des immigrés» كان فى الواقع كتاب ذو منحى تفاؤلي، غير أنه كان واقعيًا. ثمة أشخاص شعبويين فى اليسار اليوم، يبدو أنهم اكتشفوا قضايا الهوية لتوهم، كما أنى كنت أفكر فى هؤلاء الذين يعملون على انعدام الأمن الثقافي، والفروقات الثقافية ومخاطرها، ولقد أعددت تحليلات صارمة حولهم فى منتصف التسعينات من القرن المنصرم، وبالمناسبة، لقد كنت أول من قال: إننا يجب أن نراجع مفهوم الاستيعاب، وبالتالي، هؤلاء وتحليلاتهم غير واعين حقًا بما يحدث.


لم تكن الهجرة ظاهرة هينة أبدًا، حتى إذا تم استيعاب كل السكان فى النهاية. والحال أنى لم أنضم أبدًا إلى هؤلاء الذين يرحبون بكل الهجرات فى أولوية أخلاقية مطلقة، أو شبه ضرورة قاطعة، وهؤلاء الذين يهملون الحق الشرعى لسكان أوروبا فى الحد الأدنى من الأمن الإقليمي. لطالما كنت أرى أن المواقف الأخلاقية المجردة هى مواقف غير مسئولة تمامًا. وبهذه المناسبة أود أن أنتهز الفرصة لأشير إلى أن الأشياء الجيدة التى تُرتب بشكل واسع فى أوروبا للمتعلمين العرب، الذين يمثلون جزءا كبيرا من اللاجئين، لهى بمثابة تفريغ الشرق الأوسط من نخبته، وإدانة ذلك لقرون من التفكك والانحسار.


بالرجوع إلى فرنسا، يعد أحد الشروط الأساسية للاستيعاب، هو أن المحرك الاقتصادى يستمر فى التحول، وأن المصعد الاجتماعى يستمر فى العمل. وهذا بالضبط ما فشل بشكل كبير فى فرنسا. والحال أن نموذجى كان واقعيًا إلى حد معقول فى فرضية أن فرنسا إذا لم تتورط فى اليورو، وإذا لم تتحول إلى معدل نمو صفري، ستضمن بالتالى زيادة معدل الصلابة فى كل الأوساط الاجتماعية. ويا لها من فرصة ضائعة بالنسبة لفرنسا، المجتمع الموهوب فيما يتعلق بالأجانب غير المبالين بالاختلافات فى المظاهر المادية، لكن هكذا هو الحال. طالما لدينا هذا الانسداد الاقتصادي، فسوف نشهد عمليات تعفن، قد تتخذ شكلًا إسلاميًا فى الضواحي، ببساطة لأنه يوجد فى هذه المناطق العديد من الفرنسيين ذوى الأصول الإسلامية.


هذه الظواهر من التطرف هى ما أنتجت موجات كبيرة من الهجمات فى 2015، والتى كانت أهدافًا لصراعات التفسير اليوم فى فرنسا. بالنسبة للبعض مثل أوليفييه روا، الإسلام هو مجرد غطاء، ذريعة لتطرف جزء من الشباب الذين تُركوا فى العراء؟

أنا أقف بجانب أوليفييه روا وفرهاد خسروخافار مباشرة، وهم باحثين جادين، يعرفون جيدًا ما يتحدثون بشأنه. وفى الواقع، واحدة من المشكلات الحالية للحكومة وعلماء الإسلاميات المهووسين، الذين يسعون لإسقاط الدولة عبر التلويح بالرسومات الكاريكاتورية للرسول محمد والتغنى بمدح العلمانية، هى أنهم أعادوا اكتشاف وجود غضب شعبى محلي، الذى يأخذ شكل يأس الفلاحين أو هؤلاء الأطفال الذين يرفضون إعادة تشكيل سوق العمل، الأمر الذى يعد مطمئنًا، ذلك أننا أخيرًا رجعنا مرة أخرى للقضايا الحقيقية.


بالطبع الإرهاب مشكلة ملحّة، لكن لكى تحكم مجتمع فى حالة أزمة بشكل جيد، على المرء أن يأخذ مسافة تسمح له برؤية ان هذه الدراما ليست سوى مشكلة صغيرة فى المأساة العالمية. الحال أن مجتمعنا عاجز، لأن فرنسا لم يعد لديها عملة أو سياسة نقدية، وكل شيء فى المناقشات السياسية الحالية يُناقش بشكل ساخر. كل مرشح يخبرنا انه سيحكم بشكل مختلف عندما يكون فى منطقة اليورو، لكن الحق أنه سيكون قادرًا على أن ينفذ الأوامر التى يتلقاها من برلين، وربما لن يفهم هذه الأوامر أصلًا.


أعتقد أن آلان جوبيه سيصبح قريبًا هو الأمل الشاب للسياسة الفرنسية، وبهذه المناسبة أتذكر الاكتشاف المذهل الذى وقعت عليه خلال مناظرة أجريتها أمامه عام 1998، بعدما تولى وزارة الخزانة، وهو أنه رفض التحليل الاقتصادى الكينزي، الذى يجب أن يعدنا ببعض الفترات الجيدة، الأمر هو أننا بتنا بلد الجمال النائم بحق.


مشكلتنا لا يجب أن تنحصر فى هؤلاء الشباب ذوى الأصول المغربية الذين نفقدهم، وفى بعض الأحيان يجنحون بعيدًا. هنا نجد أن عددًا صغيرًا جدًا منهم يتحولون للإرهاب. واحدة من الأشياء التى تعجبت لها لسوء الحظ فى نوفمبر 2015، عندما وقعت هذه الأحداث المخيفة، هو تلك الصورة التى صدّرتها الحكومة والإعلام عن الشباب الفرنسي. فى جانب، كان هؤلاء الشباب هم الإرهابيين، البربر، الإسلاميين حتى النخاع، إلخ، وفى جانب آخر، كان الشباب مرح جدًا فى جميع الأنحاء، أصحاء تمامًا، مبتهجون، يحتسون البيرة فى تراسات بيسترو، بينما نحن اليوم لدينا فى أيدينا كل الإحصاءات حول صعوبات التفكير المحيرة للشباب المقبلون على مرحلة النضج، قلة دخلهم، معدلات البطالة المزرية، قلة أجورهم، إن لم تكن أعمالهم تدريبًا بلا أجر أصلًا.


المشكلة الأساسية فى فرنسا ليس فقط الانحراف البشع بين بعض أسوأ العائلات فى المجتمع، لكنها قدرتنا المنخفضة باستمرار فى لم شمل الشباب، كل الشباب، ومرة أخرى نحن أمام هذا الخيار الذى أشرت إليه من قبل فى كتابى «من هو تشارلي»، الكتاب الذى جعلنى العدو الأول للجماهير. إما أن ندفن رؤوسنا فى الرمال مع مشاكلنا الدينية الزائفة، ونسعى إلى شيطنة كل شيء عن الإسلام والعلمانية، إلخ، أو أن نواجه مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية الحقيقية، والتجميد العام لمحركنا.


حتى اليوم لم تكن قد تحدثت مرة أخرى فى فرنسا منذ الجدال العنيف الذى أعقب نشرك لكتاب «من هو تشارلي» فى ربيع 2015، لم كل هذا الصمت الطويل؟

أردت بكتابة هذا الكتاب أن أدافع عن الحق فى سلامة النفس لمواطنينا المسلمين. ويظل هذا الكتاب واحدا من أكثر الأعمال فخرًا فى حياتي، ربما حتى فى مسوغات كونى إنسانًا، لكنى بمجرد ما أشعل التلفاز أو الراديو، لا أستطيع تجاهل حقيقة أن المثقفين أمثالى ينتمون إلى الجانب المهزوم من التاريخ. والواقع أننا نجد فى كل مكان مخبولو الأديان، ومتعصبو الهويات، أنماط حقيرة جدًا فكريًا، لا يؤدون واجباتهم.


ما الذى يوجع بشدة فى هذا الكتاب، وفقًا لك. ما هو محور الجدال؟

أنه بهذه البساطة، لم أكن مقتنعًا بالإشارة إلى مسئولية طبقتنا السياسية والتسليم بأن هولاند رجل ميئوسًا منه، ولم ألمّح إلى أن المشروع الاجتماعى لم يكن أى شيء آخر غير حالة عادية من تنظيم عصابى مخادع، وهو شيء يعرفه الجميع الآن. ما أردت الإشارة إليه، هو أن الطبقة المتوسطة الفرنسية هى طبقة لا أمل فيها، ما فعلته هو أنى جلبت الطبقة بكاملها إلى المائدة، طبقتي، وهذا ما جعل الأمر أكثر جدية. لقد سلّمت بحقيقة أن الطبقة المتوسطة الفرنسية لم تعد وريثة الثورة بعد، فلم تعد تلك الطبقة تؤمن بالحرية والمساواة، كل هذا لم يعد له أى تأثير بعد الآن. وبالطبع هذه الأطروحة قد صدمت الناس بشكل هائل لأنها حقيقية.


كل الناس تتخفى وراء شاشة النخب السياسية الغبية، لكن هولاند، بطريقة ما، كان مجرد خيال، عندما تستمع إليه، بصوته الرفيع، عندما يشاهده المرء يتخذ أى قرار، هو ليس هنا، هولاند مجرد أسطورة، وهم جماعي، والواقع أن الناس يختبئون وراء هولاند حتى لا يضطروا إلى أن يحكموا على أنفسهم، هذا لا يجعلهم يضطرون إلى أن يقولوا لأنفسهم، حسنًا، نعم، أنا رجل فرنسى مسن من الطبقة الوسطى، ولا أزال أتمتع بمزايا اقتصادية هائلة، لقد تمكنت من تعليم أطفالى على حساب الدولة، لكن الآن، لندع الشباب يبحثون عن أنفسهم، لنجعلهم يتعفنون فى الضواحي، أو فى السجون، أو إذا كان منهم أطفال صغار، لندعهم يخسرون شجاعتهم فى وظائف فاسدة. هذا هو لب الكتاب، وهى المشاكل التى لا نزال نعانى منها حتى الآن.

© 2023 by EDX. Proudly created with Wix.com

bottom of page