top of page
Search

فيتزجيرالد واليهود.. هل كان فيتزجيرالد عنصريًا؟

  • Writer: Ahmed Ellaithy
    Ahmed Ellaithy
  • Jul 24, 2017
  • 6 min read

كما أكدت سكرتيرته « كرول رينج» من قبل، أبدى فيتزجيرالد اهتمامًا كبيرًا باليهود لدرجة أنه أزعجها بخصائص اليهود وعاداتهم.

فيتزجيرالد واليهود.. هل كان فيتزجيرالد عنصريًا؟

من المؤكد أن الناس سيحبون التواصل مع «فرانسيس كرول رينج» سكرتيرة ومساعدة فيتزجيرالد حتى نهاية حياته، فربما تكون رينج، التى وافتها المنية فى 18 يونيو من العام الحالى، عن عمر يناهز 99 عامًا، هى آخر الأحياء الذين تمكنوا من التواصل مع فيتزجيرالد، مصافحتها أو إلقاء نظرة عليها، هى الفرصة الأخيرة لتتواصل ماديًا مع الكاتب، الذى عاش فى عصر الجاز، وباريس فى عقد العشرينات من القرن العشرين.

توفى فيتزجيرالد فى ديسمبر 1940، ومن الغريب أن تكتشف أنه حتى الشهر الأخير من حياته، كان هناك شخص يعيش معه، يطهو له ويكتب، ينهى له مهماته، ويوظب فوضاه، كما من الغريب أن تعرف أنها كانت فتاة يهودية أنيقة من حى برونكس فى نيويورك.

لم يكن فيتزجيرالد قد التقى بالعديد من اليهود حتى ذلك الوقت، كاثوليكى من أصل ايرلندى، ينحدر من حى سانت بول، درس فى جامعة برنستون عام 1913، ونشر العديد من الكتب عندما كان النشر يعد لعبة من لعب الكبار. على أنه لن يكون هناك فائدة من التظاهر أنه كان من زمرة الكتاب المتنورين، عندما نأتى لموضوعاتٍ مثل العِرق والإثنية، ففى خطاب بذىء أرسله عام 1921 لإدموند ويلسون، ضمّنه قائلًا: «الزنوج يزحفون نحو الشمال بسرعة مذهلة، لتشويه سُلالة الأوروبيين، من المؤكد أن الإيطاليين مُست أرواحهم بمس من أرواح الزنوج». غير أنه تراجع عن أرائه تلك، مدعيًا أنها آراء تقليدية، ومعادية للاشتراكية، وساذجة، وتنم عن عنصرية فجّة، لكنه ما لبث أن أنتقل إلى موقف أخرق آخر، فمما جاء فى خطاب آخر له، «وفى نهاية المطاف، أنى أؤمن بالعبء الملقى على الرجل الأبيض، نحن أعلى بكثير مما يبدو عليه الرجل الفرنسى الحديث، كما هو أعلى من الزنجى، حتى فى مجال الفن».

لكن الأسوأ لم يأت بعد، فطبقًا لـ«جورج جان ناثان» و«هنرى لويس منكن»، أن فيتزجيرالد قد اثار السخط عند تعامله مع عمال المصعد الملونين، ففى فندق بإحدى ضواحى نيويورك، وضع بقشيش لهم ليلة عيد الميلاد، داخل زجاجات لنوع مشهور من أنواع مزيل العرق، وبرغم أن ناثان لم يقدم أية إثبات، لكنك عندما تقرأ شيئُا مثل هذا لن تنساه أبدًا. أما عن مشاعره تجاه اليهود، فهى اكثر تعقيدًا، فرغم أن فيتزجيرالد أعجب بـ«إرفينج ثالـبرج»، الذى كان على رأس شركة «إم جى إم» للإنتاج السينمائى، إلا أنه من المحتمل أن تكون فرانسيس كرول هى أول شخص يهودى قضى معه فترة طويلة، كما أعتقد أنه كان على صلة قوية بكاتبة العمود الشهيرة «شيلا جراهام»، التى ولدت فى ليدز بإنجلترا، لوالدين يهوديين من أوكرانيا، لكنها حافظت على خلفيتها الدينية ونشأتها، حتى عند عملها بالصحافة.

لن نفاجأ إذن، إذا عرفنا أن اليهود لم يظهروا فى أغلب أعمال فيتزجيرالد الأولى، من المؤكد أن هناك الرجل ذا الأنف المسطّح «ماير وولف شايم» فى روايته «جاتسببى العظيم» بعينيه الضيقتين، وشعيرتيه الزائدتين عن أنفه، كما هناك أيضًا اليهودية البدينة، المرصعة بالماس، فى روايته «أصداء عصر الجاز»، لكنى دائمًا ما أتساءل إذا كانت الكتابة النمطية هى التى تشكل العداء الحقيقى للكاتب. على أن الرسوم الكاريكوتورية لليهود، التى روجتها قضية دريفوس عند منعطف القرن، كما الصحافة الألمانية فى ثلاثينات القرن الماضى عملا على التحريض على اليهود بكراهية نقية، لكن فيتزجيرالد أعاد تعريف الأشياء مرة أخرى، كان ريفيًا لكنه لم يكن خبيثًا، واختلق صفات جديدة لجنسيات مختلفة، من ضمنهم الايرلنديين، فاليهود لم يكونوا أبدًا واضحين، هكذا خطّ فى مذكراته، يبدو كما لو أنهم كالشمع المنصهر، والايرلنديين قذرين، والأنجلو ساكسونيين متوترين، لكننا لا يزال علينا أن نعترف، أن تصوره لشخصية «وولف شايم»، إذا لم يكشف عن تهمة معاداة السامية، لكنه على الأقل شجعها.

كما تروى كرول، أُسقط فى يد فيتزجيرالد، كان محاصرا بتهمة معاداة السامية من كل جهة، بناء على الطريقة التى عالج بها شخصية «وولف شايم»، كانت تلك الشخصية هى ما دفعت باحث مثل «رون روزينباوم» أن يقارنها بالمقامر «أرنولد روثستاين» الذى ربح بطولة 1919، ذلك أن روزينباوم كان يرى، أن فيتزجيرالد صور اليهودى وكأنه الذى انتهك براءة وسلب نقاء الدولة الأمريكية العظيمة، لكننا نعرف ما كان يجرى فى ذلك الحين، كان هناك الكثير من رجال العصابات اليهوديين فى العشرينات، يدار أغلبهم من قبل اليهود كزعيم المافيا «ماير لانسكى»، والألمانى اليهودى «شالتز»، اللذين كانا يقتطعان أراضى كثيرة من مدينة نيويورك، كانت الظروف مواتية لتكوين عصابات يهودية. لكن الحقيقة الناصعة، هى أن فيتزجيرالد خضع لكتابة نمطية عن اليهود، وأدخل نفسه فى مشاكل تتعلق بالعِرق والإثنية، ولم يجد أسبابًا كافية للتفكير بعمق فى ظاهرة اليهود، ذلك حتى وجد نفسه يكتب رواية عن أحدهم، تلك الرواية التى كانت بطلتها واحدة من حى برونكس.

دقت كرول باب فيتزجيرالد لأول مرة فى ربيع عام 1939، حينما كان يعيش فى انسيو بكاليفورنيا، فى منزل للممثل الكوميدى الذى نشأ فى بروكلين «إدوارد أورت هورتون». وكانت عائلة كرول قد نزحت إلى «لوس أنجلوس» قبل عام، وبلغت كرول 22 عامًا حينئذ، فاضطرت للبحث عن عمل، وبالصدفة البحتة، أرسلتها وكالة توظيف دون أية مقدمات إلى فيتزجيرالد، وأسرّ إليها بأنه بصدد كتابة رواية عن هوليوود، وأنه ينبغى عليها أن تحفظ السر، لكن شيئًا كهذا يعتبر غريبًا، أن تلقى سرا لشخص تقابله للمرة الأولى.

على الرغم من أن فيتزجيرالد كان يريد تصدير صورة الرجل العلمانى، إلا أنه بقى طوال حياته أسير كثير من المشاعر المتناقضة، كان خجولا، حادا، غير مستقر، متبجحا، متلهفا لإرضاء من حوله، وحريصا على أن يكون محور اهتمام الناس، من الممكن أن يتصرف بلباقة فى لحظة، ويتصرف بغلظة فى أخرى. لكن فى الفترة التى جاءت فيها كرول للعمل عنده، كان سكيرًا، يتناول الحبوب المبهجة، كان مرض السُل قد أصاب الكاتب الذى روى أفضل إبداعاته عن الاحلام الفانية ولحظات الشباب العابرة.

كما أنه - كما ادركت كرول - سكّير متوتر، ورجل يصعب العمل معه، وكما تدعى، فإنه «لا شىء بسيط مع فيتزجيرالد، فالمهام العادية تصبح معه غير عادية، اختبار للأعصاب». لكن فى مذكراتها الذكية «ضد التيار» يظهر فيتزجيرالد بصورة الرجل المهذب، السقيم، المدرك لحقائق الأمور، رجل متوسط العمر، يبدو أنه مهتم بكرول وبعائلتها. الصورة التى رسمتها كرول عن فيتزجيرالد كانت رقيقة وغير منحرفة، فعلى عكس ما كان متوقعًا من كرول من أنها لن تحتمل حماقاته التى تسببها الكحول، من حين لآخر، عملت كرول على تبجيله، تغاضت عن سيئاته، وكانت دومًا ملبية لاحتياجاته. أصبحت كرول محل ثقته، حتى أنها عملت كمدبرة للعلاقة التى جمعت بين فيتزجيرالد وجراهام، والتى كانت تتحسن أو تسوء صعودًا وهبوطًا، إذ كان بينهما مشاكل كثيرة.

بدأ فيتزجيرالد العمل على روايته التى تدور عن هوليوود فى عام 1939، «المليونير الأخير» حيث كانت شخصية البطل «مونرو ستار» مستوحاة من شخصية حقيقية، هى «إرفينج ثالبرج»، وعلى الرغم من أنه قد تم التصريح بيهودية ستار، إلا أنه لم يتم قط الحط من شأنه، كما علينا أن ننشغل بالطريقة التى أظهره بها مخرج العمل، وبطريقة تفكيره، شخص عمل مع اليهود لفترة طويلة جدًا قبل أن يصدق ما يقال عنهم بشأن طريقة تعاملهم مع الأموال. ومن جهة أخرى، يصف الراوى بطل العمل بطريقة محيرة، رجل عقلانى لديه منطقة الخاص لعدم التربح من وراء الكتب، رجل يخطط ليخرج من يهوديته التى تأثر بعاداتها لآلاف السنين ليدخل فى نهاية القرن 18. من الصعب معرفة ما كان يقصد فيتزجيرالد بذلك، هل كان يقصد أن بإمكان عدد قليل من اليهود إنجاز تحول من العصور الوسطى إلى عصر التنوير، فى هذه الحالة علينا أن نقر أن هناك تنازلا واضحا من جهته. فضلًا عن أنه علينا أن نسأل السؤال التالى، وهو لماذا ينتهى ذيل الحكاية عند عصر التنوير بدلًا من العصور الوسطى، أتساءل فى أحيان كثيرة، ما إذا كان هيمنجواى على صواب حينما قال عن فيتزجيرالد أنه لا يفكر.

لم يكن هناك أثر لمعاداة السامية فى هذه الرواية، ستار بطل الرواية شخص يثير الإعجاب فى كل لحظة، يهودى فى أواسط العمر، يتكلم بعصبية، ويجلس كما لو كان ينتظر فصل الربيع، يمكن أن تكون تلك الشخصية هى ما صنعها فيتزجيرالد ليعوض تصوره المقيت عن شخصية «ولف شايم»، ومن الممكن أن فيتزجيرالد لم يكن يريد أن يقرن اسمه بتهمة معاداة السامية وسط صناعة معظم منتجيها من اليهود، فعمد إلى إنتاج تلك الشخصية، وربما يكون مدركًا لما كان يحدث فى أوروبا فى العام 1939، كما من الممكن أن تكون حقيقة أنه قد قضى أكبر جزء من حياته، أيامه ولياليه، مع امرأتين يهوديتين، أسهموا بشكل كبير، فى الصورة التى رسمها لستار.

كما تقول كرول، أبدى فيتزجيرالد فضول كبير لمعرفة اليهود، كان دائمًا ما يزعجها بالسؤال عن سمات اليهود وعاداتهم، كان مأخوذًا بعيد الفصح، وبعادات اليهود فى الكوشير، وبعدما علم أن والدها قد هاجر إلى أمريكا من روسيا، سارع بإهدائه نسخة الملك جيمس من العهدين القديم والجديد، مصحوبان بورقة، كُتِب عليها، من صديق ابنتك وزميلها. كما تخبرنا كرول، أنه فى عام 1940، كان فيتزجيرالد يفكر فى إهداء هدية لابنته سكوتى، عرضت صديقته جراهام أن تهديها معطفا جديدا من الفرو لا يحتاج إلا لتعديل بسيط، فاقترحت عليها كرول أن والدها، تاجر الفراء يمكنه إجراء ذاك التعديل، وبالطبع فإن صامويل كرول سيفعل هذا دون مقابل.

سيكون من الجيد أن نقر أن فيتزجيرالد قد نفى عن نفسه مشاعر معاداة السامية فى النهاية، لكن ذلك لم يكن حقيقيًا، كما تقول كرول، فلا شىء سهل مع سكوت، كان رجلا ممتلأ بالمشاعر المتناقضة، يسود جانبه المظلم والأحمق عندما يشرب حفنة قليلة من الكحول، وعندما يسكر يمكنه أن يصيح بصوت عال ويأتى على ذكر اسم جراهام، موصمًا إياها باليهودية، أو أن يأخذ كرول جانبًا ويسرّ إليها بالجانب اليهودى فى شخصية جراهام، كما لو كان هو وكرول متواطئان.

لكنه لم يكن دائمًا سكيرًا، وهناك احتمال كبير بأن شركة السيدات اليهوديات هى ما جعلته غير مطمئن لليهود بشكل عام، على أن تلك المشاعر لم تكن إلا تشنجات تختفى بسرعة، كان يحب الذهاب لدكاكين بيع المعلبات - طبقًا لجراهام - ليطلب الكنيش Knishes، لأنه يحب النطق بتلك الكلمة، غير أن كرول لم تشعر من ناحيته بأى من مشاعر معاداة السامية، كما أنها تتكلم عنه باعتزاز كبير، فمما جاء فى مذكراتها أنه كان ودودًا لعائلتها، فطبقًا لمذكراتها «ذكرياتى تأوى رجلا لبقا، انهارت أحلامه، رجلا مجردا أهداه هدية تقليدية يعطيه القوة ليظل يعمل ما هو جيد فى عمله، الكتابة».

© 2023 by EDX. Proudly created with Wix.com

bottom of page