صبا محمود: هناك حركة إصلاحية بين نساء الشرق الأوسط
- صبا محمود
- Jul 23, 2017
- 4 min read

صبا محمود أنثروبولوجية تُدرّس فى جامعة كاليفورنيا فى بيركلي، أثارت أعمالها العديد من التساؤلات حول العلاقة بين الدين والعلمانية، والأخلاق والسياسة، والسلطة والحرية، يُقدّم كتابها «سياسة التقوى» دراسة لحركة التقوى النسائية الشعبية فى القاهرة، حيث يُسائل الكتاب الافتراضات التحليلية والسياسية للنسوية، فضلا عن الافتراضات الليبرالية العلمانية التى تُقيم على أساسها مثل هذه الحركات غالبًا.
فى كتاب «هل النقد علماني؟» تنضم لطلال أسد، وجوديث بتلر، وويندى براون فى إعادة النظر فى الجدل الذى أثارته الرسوم الدنماركية والذى صُوّر بأنه صراع بين التجديف وحرية التعبير، بين الرؤية العلمانية والدينية للعالم.
تعمل صبا محمود الآن على مشروعٍ مقارن حول حق الحرية الدينية وحول العلاقات بين الأغلبية والأقلية فى الشرق الأوسط. تحدثنا حين كنا نتناول الإفطار فى مدينة نيويورك.
تُعدُّ الأنثربولوجية صبا محمود واحدة من أبرز الباحثات المعاصرات فيما يتعلق بالإسلام، والعلمانية، والحركات الإسلامية، والمرأة. الحوار التالى رغم أنه أُجرى قبل ما يزيد على أربع سنوات، إلا أنى شعرت بأهمية ترجمته لما يحمله من تلخيص لبعض أفكار صبا ومشاريعها ولندرة تداول اسمها فى العالم العربي. بجانب العديد من المقالات والفصول المنشورة
هنا حوار معها حول كتابها “سياسات التقوى”:
ترجمة: أحمد ليثي
ما هى الحركة الإصلاحية التى تدعيها فى كتابك؟
لاحظتها فى كل دول الشرق الأوسط، كما سمعت عنها فى ماليزيا وإندونيسيا، وباكستان، وبنجلاديش، صار النساء والفتيات يدرسن الإسلام بطريقة أكثر رسمية، يحفظن القرآن، ويتلينه بالتجويد، كما يتعلمن الحديث، أو أقوال النبى محمد. فى أغلب الأوقات يمارسن الدراسة فى المسجد، بينما كن فى السابق يدرسن بالبيت. كما أنهن يتعلمن أشياء عملية مثل ماذا يعنى لامرأة شابة أن تعيش فى مجتمع معاصر، وتحاول الحفاظ على ممارسة معتقداتها الدينية، وفى الوقت نفسه لا تبتعد عن التعليم، والعمل، وكل أشكال الأوساط الاجتماعية التى تتطلب تواجد الرجال والنساء معًا.
ما الذى جذب اهتمامك فى هذه الحركة؟
بدأت أسمع عنها من خلال النساء، كن يقلن لى إن هناك عدد متزايد من الأنشطة التى تأخذ مكانها اليوم فى المساجد والبيوت، لذا، كان على أن أبحث فى صحافة المجتمعات الإسلامية، لكنى لم أر أى شئ كتب عنها، وبات لدى الآن سؤالان رئيسيان، لماذا لا تحظى هذه الحركة بتغطية إعلامية رغم أنها حركة شعبية؟ والثاني، ما نوع الممارسات التى تأخذ مكانها اليوم، وهل لديها القدرة فعلًا على إحداث ذلك التحول فى الحياة الاجتماعية والسياسية؟
ما أعمار النساء المشاركين فى الحركة، وكيف بدأت؟
أعتقد أنها تبدأ من سن 14، 15 عامًا، حتى تصل إلى سن الـ 50، لكن الأغلبية، بين العشرينات والثلاثينات من أعمارهن.
هل تدعين أن هذه النزعة الإصلاحية متشابهة عبر الحدود؟ هل أخلاقياتها واهدافها متشابهة من مصر إلى سوريا أو من المغرب إلى سوريا؟ هل يمارسن النساء نوعًا واحدًا من الإسلام؟
هذا يتوقف على ما أرى وأسمع، لأقل إن هناك الكثيرمن التشابهات، لكنى لا أعلم ان كان هذا نوعًا واحدًا من الإسلام أم نوعًا واحدًا من المشاكل التى تجلب للإسلام.
لماذا تعد الدراسة فى المساجد خلافًا للبيوت تغيرًا ملحوظًا؟
المسجد فى الإسلام مكان ذو هيمنة ذكورية. فى مصر فى العام 1950، كان هناك شخصية معروفة اسمها زينب الغزالي، أعطت الدروس فى المساجد، لكنها توقفت حين عينت فى جامعة الأزهر، وكانت تقوم بالدور نفسه هناك، لكن ذلك لم يحدث مجددًا بعدما توقفت، حتى ظهرت هذه الحركة. عندما يكون لديك 500 إمرأة يذهبن إلى المسجد للدراسة مرتين فى الأسبوع، فإن هذا يعد تحولًا كبيرًا، يستخدمن النص نفسه لكن يقرأنه بطريقة مختلفة.
هناك حاجة أساسية للشعور بأن التقوى والورع شىء ذو قيمة عالية
هل تعتقدين بطريقة ما أن اكتساب النساء لمعرفة متزايدة بالإسلام يسمح لهم بتحدى ممارسات ثقافية معينة؟
نعم، بالتأكيد. لدى مثال على ذلك فى كتابي، عن المراة التى أعطت الكثير من هذه الدروس، إنها تذكرنى كثيرًا بهدى شعراوي، كما أنها أمّت النساء فى الصلاة. اعترض إمام المسجد وقال انها لا ينبغى أن تفعل ذلك، لكنها كانت أكثر علمًا منه بالمدارس الفقهية التى أتاحت للنساء إمامة الصلاة، وتحت أية شروط، وكان لديها الحق فى أن تختار من تلك المدارس، هذا حقها، وصارت ممارستها تلك عادة، وكثيرًا من النساء كن يذهبن للصلاة وراءها، سيقول بعض الناس انها ذهبت على عكس رغبة إمام المسجد، لكنها فى الوقت نفسه استمرت فى فعل ما اعتقدت أنه صواب.
هل هى حركة منظمة؟ هل هى حركة سياسية؟
لا أتخيل أنها يمكن أن تكون حركة منظمة، وذلك لسبب أساسي، وهو أن الدولة ستتدخل بصرامة لو لاحظت ذلك، ولن يكون هناك وسيلة يمكن من خلالها أن تنظم هذه الحركة مرة أخرى، ولا أعتقد أنهم يعتبرون نساء تلك الحركة لديهم أجندة محددة. لذا لا أعتقد أنها حركة منظمة. لكن إذا قلنا إنها حركة غير سياسية سنصاب هنا بلبس ما، إذ ما هو أصلًا الأساس الاجتماعى للسياسة، السياسة لا ترتبط فقط بالدولة، أو اتباع سياساتها، أو منظمات المجتمع المدنى المتورطة مع الدولة، لكنها ترتبط أيضًا بالتحول المجتمعي.
هناك سؤال رئيسى يهم الكثير من الباحثين الغربيين، ألا وهو ما الذى سيجنينه النساء الشابات من ممارسة الإسلام بطريقة أكثر ورعًا، لماذا يفعلن ذلك؟
اكتشفت أن تلك الممارسة نوع من التمرد على أجيال أمهاتهن وجداتهن، كن يشعرن بالتفوق عليهن، ذلك ان أمهاتهن ترعرعن فى الستينات والسبعينات، وكن محاكاة لفترة الرئيس عبدالناصر، وحافظ الأسد وكل الأنظمة الاشتراكية الأخرى، التى جاءت بالأزياء الغربية وأشياء من هذا القبيل، جمال عبد الناصر (1956-1970) وحافظ الأسد (1971-2000) مثلًا، أسسا كلاهما حكومات علمانية. كان هذا تحول جيلى كبير.
أعتقد أن هناك حاجة أساسية للشعور بأن التقوى والورع شىء ذو قيمة عالية، وكونك قريبًا من الله هو شىء مطلوب بشدة. هناك شعور عميق أن حياتى لها معنى من خلال هذا الطريق. علينا أن نأخذ هذا بجدية مفهوم الشعور العميق بحب الله دون الحاجة إلى العيش حياة الرهبنة. لكنى اجد أن العقلية الغربية لديها صعوبة كبيرة فى تخيل أن هناك امرأة متدينة تعيش فى عالم حديث وعلماني. يتلقين النساء نصائح للتعامل مع المشكلات الاجتماعية أيضًا، مثلًا، إذا كنتِ تستقلين المواصلات العامة، وتم التحرش بكِ كيف ستتعاملين مع ذلك كامرأة متدينة، غالبًا ما يكون واحد من الأسئلة التى ترافق الفتاة منذ بلوغها، هو ماذا يعنى ان يكون لدى رغبة جنسية، كيف اتحكم فى رغباتي؟ وما حدود العلاقات التى يجب أن أقيمها مع خطيبى مثلًا؟ وأسئلة أخرى تخص الامهات، اكتشفت أن ابنتى لديها الكثير من العلاقات خارج مؤسسة الزواج، ماذا يجب أن أفعل حيال ذلك، من الطبيعى ألا أذيع هذا للعلن، لكن ما الذى يجب على فعله؟. تعودت النساء فى مثل هذه المواقف ان تستدعى شيخ المسجد لتطرح عليه تلك الأسئلة، لكن تحولت النساء لتطرح تلك الأسئلة على نساء آخريات، ما يعنى أنها أخذت نوعًا مختلفًا من النقاش، نقاش اكثر صراحة.