الميراث الحقيقى لستيف جوبز.. أو سطوة آبل
- Ahmed Ellaithy
- Jul 23, 2017
- 4 min read

ترجمة: أحمد ليثي
خلال عرض آخر الأفلام الوثائقية للمخرج أليكس جيبنى "ستيف جوبز.. رجل فى آلة"، يظهر دانيال كوتكه، زميل جوبز القديم فى شركة آبل، ليطرح سؤالًا، يبدو أنه أعطى الحيوية اللازمة لفيلم المخرج دانى بويل عن جوبز، مفاده، إلى أى مدى تملك من البلاهة كى تصير ناجحًا؟، السؤال الطريف والشارد الذى اهتم به بويل فى فيلمه، ساعده فى تكوين رؤية لحياة جوبز من خلال ثلاث مراحل، تلك المراحل التى استطاع فيها جوبز أن يصنع ثلاثة من أهم منتجاته، الماكينتوش عام 1984، نيكست عام 1988، وآى ماك عام 1998، لكن إجابة السؤال الذى طرحه زميل جوبز القديم، بدت لكل من بويل، والسيناريست المساعد له كبيرة جدًا.
عمل جيبنى فى فيلمه على تجميع آراء أكبر قدر ممكن من أصدقائه السابقين ومحبيه وموظفى شركته، الذين بالغوا فى تقديره، لكنه كان متحير فى ذاك الأمر، ذلك أنه بموت ستيف جوبز عام 2011، عُرف عنه أنه كان قاس، ومتغطرس، ومتقلب المزاج، ومتسلط، وذا تصرفات طفولية، كما أننا لا ينبغى أن نغفل الظروف غير الإنسانية التى صاحبت التسهيلات التى تمتعت بها شركته فى الصين، حيث كان هناك عشرات الحالات من الانتحار، وبالنسبة له، لم يكن جوبز متحمس للاستجابة لهؤلاء، وأُشتهرت آبل بتهربها من النظم الضريبية، لذا، أبدى جيبنى تساؤله فى أولى مشاهد فيلمه، هل كان الآلاف من الناس الذىن كانوا يتركون الورود عند مقر الشركة فى اليوم الذى توفى فيه، ومحبيه الذين سجلوا لحظات بكائهم عليه، والمحتشدين الذين ظهرت صورهم يمسكون الشمع حدادًا عليه، هل كانت وفاة جوبز حدث عالمى لإبداء الندم؟
الإجابة الأكثر بساطة، هى تلك التى سجلها شاب يافع يبدو أنه فى التاسعة أو العاشرة من عمره، يجلس على كرسى مكتب دوّار أمام جهاز الكمبيوتر الخاص به يدور به عدة مرات، يقول: "الشىء الذى أستخدمه الآن، آى ماك، هو الذى صنعه، كما أنه صنع ماك بوك آير، وصنع آى فون، وآى بود، تقريبًا هو الذى صنع كل شىء.
إذا كان استهلاك السلع الاستهلاكية مشوبة بتدفق مشاعر الحزن الآن، لماذا لم يحدث ذلك سابقًا، لماذا لم يتنهد الناس فى الشوارع حينما توفى أشخاص مثل جورج إيستمان، أو توماس ايديسون، أو ألكسندر جراهام بيل، خاصة أن هؤلاء لم يكونوا مثل ستيف جوبز، فى الحقيقة أنهم كانوا أكثر أهمية منه، فقد أخترعوا الكاميرا والمصابيح الكهربية، والهواتف، أشياء صارت من أساسيات الحياة الحديثة. ترى "شيرى توركل" باحثة السوسيولوجيا فى معهد ماساتشوستس للتقنية، أن المشاعر التى يشعر بها الناس تجاه جوبز لم تكن تجاهه فى الحقيقة، كانت تلك المشاعر ناتجة من العلاقة بين منتجاته وبين حامليها، علاقة كانت أساسية وفورية، لا تشعر أن هناك حدود بينك وبين المنتج، تقول توركل: "لم يكن جوبز يصنع المنتج كامتداد لك، لم يكن مجرد منتج لك، بل كان هذا المنتج هو انت فى الحقيقة".
فى فيلم المخرج جيبنى، يقول مدير قسم آى فون فى شركة آبل خلال عامى 2005 – 2007: "آبل شركة تجارية، ونحن –بطريقة ما – استطعنا ربط العاطفة (الحب والتفانى) بتلك التجارة، ما يجعل الشركة تدر أرباح على حاملى الأسهم، هذا كل شىء، ولا شىء أكثر من هذا، وخلق هذه المؤسسة واحدة من أعظم إنجازات ستيف جوبز".
جوبز كان رجلًا ماهرًا. ولذلك، لم تكم مصادفة عندما حكى سوركن قصته عن جوبز من خلال منتجاته التى أطلقها، كان هناك الكثير من الأحداث والعروض الترويجية، التى كان جوبز يتأكد أن يظهر بنفسه على المسرح خلالها، بغض النظر عن المنتج الذى يروج له، يقول "لى كلو" مدير الدعاية الذى كان من المقربين إليه، أنه كان يحب الدعاية والإعلان، كان يحب أن يكون أول من يكشف عن منتج من منتجات الشركة، كان يحب صناعة الترفيه، والتسويق، والاتصالات.
الناس تنجذب إلى السحر، وجوبز يعلم ذلك، وكان هذا سببًا لإصراره على السرية حتى لحظة الكشف عن منتجه، لكن هوس جوبز بالسرية، توارى وراء رغبته فى الحفاظ على مفاجأة الناس. فى إحدى تقاريرها، سألت صحيفة الإيكونوميست فى عام 2005، هل ستيف جوبز هو أحد أكثر الأشخاص المصابين بجنون العظمة نجاحًا فى التاريخ؟، فى تلك السنة، كان هناك رجلًا تخرج بالكاد من جامعة هارفارد، يدير موقع على الانترنت، ينشر القيل والقال عن منتجات آبل ومنتجات أخرى، لم يتم الكشف عنها بعد، يحكى جيبنى قصة جاسون تشين، صحفى تم مداهمة بيته، عقب نشره تفاصيل عن هاتف آى فون كان فى مرحلة التطوير. تم بيع نموذج اولى من الهاتف اموفع جيزمودو Gizmodo مقابل خمس آلاف دولار، لكن على الرغم من أن تشين كان قد أعاد هذا النموذج لآبل مرة أخرى قبل اربعة أيام من مداهمة بيته، إلا أنه تم مداهمة بيته، والتحفظ على حاسوبه الخاص ومتعلقات أخرى.
سحر جوبز كان يظهر من خلال منتجات شركته، هذه المنتجات غرست الحكاية التى حكاها عن نفسه، عندما كان مليونيرًا، وبعد أن كان مليارديرًا بعد ذلك، حتى بعد أن تخلى عن أصدقاؤه ومعاونيه، وحتى بعد ان تم إثبات أن هناك تلاعبًا فى خيارات تواريخ الأسهم، وحتى بعد أن قامت آبل بتوجيه إستثماراتها بعيدًا عن أمريكا تجنبًا للضرائب، جوبز أظهر نفسه على أنه دخيل، شخص متمرد يقف ضد ثقافة الهيمنة، لكن الفكرة التى طرحها بأن يكون المستهلك هو المتحالف الأول مع آبل، لم تكن سوى خدعة، أقنع بها المستهلكين بأنه من الجيد بالنسبة لهم أن يقتنوا منتجات شركته، هكذا غيّر جوبز العالم من حوله. يقول الصحفى "جو نوكيرا" لجيبنى، مخرج الفيلم: "إن الأساطير التى أحاطت بآبل هى أساطير أحاطت بشركة تصنع الهواتف المحمولة، الهواتف لن تكون أجهزة أسطورية، لكن هذا باختصار يجعلك تتسائل عن آبل أكثر مما تتسائل عن نفسك وعن احتياجاتك".
كى تقهم ذلك بشكل تام، تحتاج لأن تذهب إلى سلسلة الصور للمصور الفوتوجرافى "إريك بيكرسجل"، يعمل فى تلك الجلسات على إزالة الهواتف المحمولة وأى أشياء الكتورنية أخرى، من أيدى الناس العاديين، ويركز فى الوقت نفسه على حياة الناس اليومية، جالسون حول مائدة الطعام، أو مستلقون على الأريكة، أو نائمون فى مضجعهم. كانت النتيجة التى صورها بيكرسجل، هى أن الناس كانت تتعلق نظراتهم بحميمية بالأجهزة الالكترونية المفقودة، بعزم لا يتزعزع.
يفسر بيكرسجل ذلك، أنه عندما كان جالسًا فى مقهى صباح أحد الأيام سجل هذه الملاحظة فى مفكرته: "كان هناك عائلة تجلس بجانبه فى مقهى بمدينة نيويورك، لم يكونوا متواصلين ببعضهم بينما هم جالسون معًا، لم يكونوا يتكلمون كثيرًا، الأب وابنتيه أخرجوا هواتفهم المحمولة وبدأوا بالنظر إليها، والأم لم تكن تملك واحدًا، أو أنها اختارت أن تتركه بعيدًا، تحدق من خلال النافذة حزينة ووحيدة رغم أنها كانت مع أقرب الأشخاص إلى قلبها، كان الأب ينظر بين فينة وأخرى إلى الهاتف ليعلن عن خبر قرأه توًا، كان قد أعلن عن خبر قرأه مرتان، لكن لم يهتم أحد. وأنا حزنت لأنهم أستخدموا التكنولوجيا للتفاعل فى مقابل عدم التفاعل معًا. لم يحدث هذا من قبل، وبدا أن شكوكى كانت فى محلها، ذلك أننا خدشنا سطح الأثر الإجتماعى الذى كان يمكن أن يكون جيدًا، من خلال هذه التجربة، وأخيرًا، أمسكت الام بهاتفها التى كانت قد تركته بعيدًا.