مترجم - سوريا، إيران، داعش.. مستقبل العدالة الإجتماعية فى حوار مع ياسين الحاج صالح.
- ياسين الحاج صالح
- Sep 21, 2016
- 11 min read

حوار: فريدا عفارى
ترجمة الحوار: أحمد ليثى
هو مفكر سورى رائد، ومسجون سياسى سابق، شارك فى الثورة السورية منذُ بداياتها فى مارس 2011 حتى أكتوبر 2013، إذ تم نفيه قسرًا إلى تركيا، فاستمر فى الكتابة والتعبير عن رأيه للدفاع عن متطلبات الثورة.
يساهم بالكتابة فى صحف عربية مختلفة من بينها جريدة الحياة، وألف العديد من الكتب بالعربية، من بينها سوريا من الظل (2009)، السير على قدم واحدة (2011)، بالخلاص ياشباب.. 16 عامًا فى السجون السورية (2012)، أساطير الآخرين.. نقد الإسلام المعاصر ونقد نقده (2012)، كما حرر كتاب الخلاص أم الخراب.. سوريا على مفترق طرق (2014). منح صالح فى العام 2012 جائزة الأمير كلاوس تقديرًا من اللجنة المانحة للشعب السورى والثورة السورية، لكنه لم يتمكن من إستلام الجائزة، ذلك أنه كان يعيش متخفيًا فى دمشق.
أجرت معه هذا الحوار فريدا عفارى، صاحبة مدونة المترجمين الإيرانيين التقدميين، باللغة الإنجليزية وعبر الإيميل.
فريدا: رحب العديد من الإيرانيين بالثورة السورية فى ربيع 2011، خاصة أنهم كانوا يأملون أن تلهم هذا الثورة المعارضة الديمقراطية داخل ايران، لكن خاب أملهم عندما وجدوا تلك الثورة التى كان لها مطالب قوية بشأن العدالة الإجتماعية والاقتصادية تتحول لحرب بين قوات نظام الأسد الفاشى وجماعات مختلفة من الجهاديين، الفاشيين أيضًا.
حددت أربعة عوامل قادت إلى تلك الدولة البشعة فى كتبك ومقالاتك وحواراتك، وناقشتها بشكل موسع، ويمكن أن نوجزها فيما يلى: 1. الدعم المالى والعسكرى الذى يتلقاه نظام الأسد من حكومات روسيا وإيران، 2. تحرير الجهاديين من السجون من قبل نظام الأسد لمواجهة المعارضة العلمانية والديمقراطية بدعم مالى سعودى خليجى، 3. رفض القوى الغربية توفير مناطق حظر جوى وإمداد المعارضة الديمقراطية بالسلاح مما يسمح لتلك المعارضة بالدفاع عن نفسها ضد قوات الأسد والجهاديين, 4. دعم اليسار الغربى لنظام الأسد بإعتباره ضد الإمبريالية، ورفضهم الإعتراف بالصراع الطبقى داخل سوريا، وتقديم الدعم المعنوى والعملى لهذه الحركات الإجتماعية.
واختلف المنشقين الإيرانيين إلى تيارين، تيار يرى أن دولة إستبدادية علمانية أفضل من ثورة يقودها تيارات جهادية أصولية يكون لها اليد العليا، ومن الجيد للسوريين حينئذ أن يأخذوا موقفأ محايدًا أو يدعموا الإصلاحات المقترحة من قبل نظام الأسد، وآخر يوافق على رأيكم بأن تلك التيارات لم يكن لها اليد العليا فى البداية، وهذا التيار بالطبع لا يستطيع أخذ موقف محايد بشأن ثورة قامت بها الجماهير ضد نظام فاشى.
فى رأيك، ما هى مشاكل الصف الثورى - فضلًا عن الضغوط الخارجية التى ناقشتموها من قبل - التى سمحت للأصولية الدينية والطائفية ليكون لها اليد العليا؟
صالح: أعتقد أننا يجب أن نبدأ بالتفرقة بين الأسباب الوقتية الظرفية والأسباب الهيكلية للموقف الحالى فى سوريا، ذلك أن تأثير إيران ودول الخليج، فضلًا عن مواقف القوى الغربية وقوى اليسار العالمى من الأسباب الوقتية الظرفية التى أدت إلى انتشار الفاشية والطائفية التى يراها العالم الآن فى سوريا، لكن هناك أسبابًا هيكيلية آخرى، تتمثل بشكل أساسى فيما أسميه بدولة السلاطين الجدد التى أنشأها حافظ الأسد فى البلاد، بإحتكار سلالته لمصادر القوة والتحكم، فالدستور المخفى (المعارض للدستور المعلن) للدولة والمجتمع يقر بأن سوريا هى ضيعة خاصة بالأسد وعائلته، وهذا الدستور بنى على دعاماتٍ ثلاث: أبدية السلالة، الطائفية، الفتنة، لعرقلة أية محاولة لثورة الشعب.
كما أن هناك حقيقة معروفة، وهى أن الأجهزة الأمنية والتشكيلات العسكرية التى تقوم بمهام أمنية – وهى ما أطلق عليها الدولة الباطنية كمقابل للدولة الظاهرية– تقوم فى الغالب بقيادة ومتشكلة من الطائفة العلوية. فالدولة المحكومة بقوات الأسد وأمنائه هى التى تحتكر مصادر القوة والتحكم كما أنها السبب فى ربيع الطائفية فى البلاد. هذه الدولة دائمًا ما تقصر معارضتها الداخلية على الأصوليين السنة فقط، كما فعلت هذا فى صراع 1979 – 1982 منذ البداية، وعلى أن أضيف أن كثيرًا من هؤلاء الأصوليون كانوا شركاء أساسيين فى تلك الاستراتيجية منذ حرب أمريكا على العراق عام 2003 وحتى الثورة السورية عام 2011، فمن الطبيعى أن يعاملنا النظام بقسوة، ذلك أننا نعمل على تشويه تلك الصورة التى يصدرها النظام عن نفسه، حداثية نظام الأسد فى مقابل أصولية الإرهابيون.
جريمة قوى اليسار العالمى – مع استثناء بعض الأفراد الشجعان من هنا وهناك – أنهم إعتنقوا هذه الأكاذيب بل وبشروا بها على نطاق أوسع، وطبقًا لهذا الزيف والانحيازية، أصبحت الأغلبية السورية غير مرئية، غير موجودة فى الواقع، لكننا موجودون، وليس صحيحًا ما يقال بأن أغلبية المؤمنون هم من يشكلون القاعدة الأساسية للأصولية، فقد تقصيت عن ستة شخصيات من المحاربين فى الغوطة الشرقية فى ربيع 2013، خمسة منهم كانوا مؤمنين، لكن ليس من بينهم أصولى واحد. فالقاعدة التاريخية الأجتماعية للثورة السورية هم الطبقة الكادحة، الطبقة الوسطى والفقراء الذين يعيشون فى الضواحى المهمشة والمدن والمناطق الريفية، فكثيرًا من المثقفين والكتاب وصانعى الأفلام، والممثلون والموسيقيون، الاطباء والطلاب، فضلًا عن نشطاء حقوق الإنسان، والناشطات، كانوا من المقومات الأساسية للثورة السورية.
فى النصف الثانى من 2012 انتصر الجناح الإيرانى فى دمشق للدولة الباطنية لنظام الأسد، فنرى طائرات مقاتلة تقصف المدن، واستخدام أسلحة كيميائية، وصواريخ سكود، كما نجد مذابح طائفية كبيرة، وهنا بالضبط يتقلص الإطار الوطنى للصراع، ويصل إلينا مقاتلون من حزب الله فى لبنان كما آخرون من العراق وأفغانستان. دولة السلاطين الجدد وضعت نفسها تحت الجناح الإمبريالى الإيرانى، وتحديدًا الجناح الذى يمثله قاسم سليمانى، فأمرت تابعيها فى لبنان والعراق وكل مكان آخر أن يدعموا دمشق، ومنذ هذا الوقت تحديدًا يتحول تأثير الدور الإيرانى من سبب ظرفى عارض إلى واحد من الأسباب الهيكيلة فى الوضع السورى.
الجهاديين السنة - ودائمًا ما يشكلون ظاهرة طفيلية - وجدوا أن هذة بيئة مثالية لممارساتهم الفاشية الطائفية، كما حدث فى أماكن أخرى من قبل، أفغانستان، العراق، وإلى حد ما فى البوسنة والهرسك، فجاؤوا من بلاد عدة لأنهم وجدوا أن هذه الحالة الوحشية مناسبة لممارساتهم الإرهابية.
ما لا يدركه كثيرًا من اليساريين الآن، ذلك أنه ليس صحيحًا أن سيادة قوات الأسد تعنى انحسار مد الجهاديين الأصوليين، بل على العكس تمامًا من ذلك، فسيادة قوات الأسد – حتى بدون وجود جهاديين من الشيعة – يعنى زيادة المد الأصولى، وهذا يوضح لنا أن الخطوة الأولى لإضعاف الجهاديين هى تغيير البيئة السياسية فى سوريا، ولن يمكننا إنجاز ذلك إلا بإسقاط نظام الأسد.
ولن أقول كلمة واحدة عن العدالة، فالعصبة القذرة التى تقتل شعبها بإستخدام الأسلحة الكيميائية، ومن خلال المجاعات، واغتصاب النساء والأطفال فى المبانى الأمنية المحصنة لابد أن تعد ممارساتها من الجرائم البشعة، ودائمًا ما يكون الإسلام المتطرف هو الثمرة المرة لهذا النوع من انعدام المساءلة.
أى نوع من اليساريين الذين يسقطون قضايا العدل من تفكيرهم وإدراكهم؟، لدى فقط كلمة واحدة أخيرة، ماهى إصلاحات نظام الأسد التى ينصحوننا أن ندعمها، أنا سورى، ولم أسمع أخبار عن هذه الإصلاحات، هل سمعتِ شيئًا عن هذا؟، أرجوكِ أن تطلبى من هؤلاء الإيرانيين أن يرسلوا لى ما وصلهم عن الإصلاحات التى قام بها نظام الأسد.
عفارى: هل يمكنك أن تعطينا بعض التفاصيل عن المساعدات العسكرية الإيرانية والدعم المالى لنظام الأسد؟، وهل تعتقد أن الأسد كان بإمكانه أن ينجو لو لم تصله هذه المساعدات؟
صالح: تقر التقارير الحالية بأن إيران انفقت ما يقرب من 35 مليار دولار لدعم نظام الأسد، فإيران تدفع نفقات حزب الله فى الحرب الدائرة فى سوريا، كما الشيعة العراقيين عصائب أهل الحق، وأبو الفضل العباس، وآخرون، الجهاديين الشيعة من أفغانستان، كهؤلاء الذين أُسروا فى درعا وحلب مارس الماضى، إيران لا تدفع المال فقط، إنها تتحكم فى كل شىء.
يتداول فى سوريا وعلى نطاق واسع أن البلاد الآن تحت الإحتلال الإيرانى، كما يبدو أن طهران لا تحارب معركة النظام السورى ضد شعبه لأسباب إستراتيجية فقط أو لكسب بطاقات اقليمية أخرى. فحكام إيران وضعوا أيديهم على أراضٍ سورية وعقارات مملوكة للدولة، فى 29 من أبريل الماضى، كتب كاتب أردنى معروف بولائه لنظام الأسد وحزب الله، فى جريدة الأخبار اللبنانية – المملوكة لحزب الله – أن ذلك ليس للجيش السورى، فإيران لن يسمح لها أن بتوسيع دورها الإقليمى، كما أن الاتفاقية الموقعة مع القوى الغربية بشأن الأسلحة النووية لا تبدو مقبولة من وجهة النظر الإيرانية، ويردف، أن الدعم العسكرى والمالى اللا محدود من طهران لما أسماه الدولة السورية هو إعلانًا تجاريًا، فمقابل تلك القروض الودية، يجب أن تقدم الدولة السورية أراض أو مبانى حكومية كضمانات.
هذه هى الكولونيالية بالمعنى الحقيقى للكلمة، ولا أعتقد أن نظام الأسد كان بإمكانه أن يبقى لم لو يقدم البلاد لقوة كولونيالية أجنبية، لا تكن مشاعر للسوريين ولا لقضاياهم الخاصة، وبالمناسبة، من المعروف أن إيران هى من تبنت بناء جيش الدفاع الوطنى، الذى تكوّن من الشبيحة والبلطجية الطائفيين الموالين لنظام الأسد، والذين تطوعوا لمساعدة النظام فى سحق الاحتجاجات الشعبية، ومعروف أنهم تدربوا فى إيران، وستعرف إيران مدى قصر نظرها بمشاركتها فى تلك اللعبة القذرة.
فريدا: لم يؤد صعود الدولة الإسلامية فقط إلى القتل الجماعى، وإغتصاب النساء والأطفال، والرجال، أو إستعبادهم، وقطع الرؤوس وتدمير المدن والمواقع الأثرية، لكنها أصابت الكثير من المعارضين أنصار الديمقراطية عبر الشرق الأوسط بالإحباط، ونعلم جميعًا أن غزو أمريكا للعراق من الأسباب التى عززت وجود الجهاديين فى المنطقة، فى رأيك، إلى أى مدى كانت الحكومة الإيرانية مسؤولة عن خلق الظروف التى أدت إلى تحالف البعثيين مع الجهاديين السنة الذين أصبحوا داعش فيما بعد، ما تحليلك لظاهرة صعود داعش؟
صالح: أنا أميل إلى الإعتقاد أن داعش – ومعظم السوريين يفضلون كلمة الدولة الإسلامية بسبب السمعة السيئة التى اكتسبتها هذه الكلمة فى المختصر العربى – ليست فقط منظمة إرهابية لكنها جهاز أمنى إرهابى على أعلى مستوى، لا على النموذج العدمى الحديث أو مثل المنظمات العلمانية الإرهابية، بل على شاكلة فرق القتل وعصابات البوليس السرية، أحد مكونات داعش الأساسية رجال الأمن والعسكريين فى نظام صدام حسين الذى تم حله بعد الغزو الأمريكى للعراق عام 2003. فداعش هى اتحاد القاعدة والجهاز البعثى المجرم. إلى جانب أن المظالم السنية تتصاعد فى العراق الجديد الذى يهيمن عليه الأحزاب الشيعية الطائفية المتطرفة، ويرعى هذا من قبل إيران، وهى العنصر الأهم فى وحشنة هذا الكائن المسمى داعش، هذه المظالم تتصاعد فى سوريا، وداعش تستفيد منها.
أعتقد أن إيران، وهى لها الكلمة العليا فى سوريا، تخطط وتصمم كل شىء لتبدو أن داعش هى القوة الوحيدة أو الرئيسية التى تواجه النظام، كنت فى الرِقة صيف 2013، وكان هناك مبنى كبير يتبع داعش، لكنه لم يكن يُهاجم أبدا من قبل طائرات النظام، نفس الطائرات كانت تجد أنه من المقبول أن تقصف المدينة عدة مرات، وقتلوا 19 طفلًا من أطفال المدارس فى الأيام الأولى من أكتوبر.
فقط بعد الحملة التى شنتها واشنطن على النظام الفاشى بعد سنة كاملة، بدأت طائرات النظام فى الهجوم على مقرات داعش، ومن ثم فإنهم يقتلون المدنيين فى الغالب، نظام الأسد واأسيادهم فى طهران يودان القول أنهما شريكين موثوقين بهما فى حرب واشنطن على الإرهاب، يعتقدان أنه عندما تكسب قلب واشنطن، حينها من الممكن أن تسير على جثث الضعفاء فى ايران وسوريا، وهما مصيبان فى ذلك.
فريدا: هناك دعمًا شعبيًا داخل إيران للمقاتلون الكرد الشجعان ضد داعش فى كوبانى شمالى سوريا، غير أن بعض النشطاء الإيرانيين ينتقدون حزب الإتحاد الديمقراطى الكردى لأنه – على حد قولهم – دخل فى اتفاقية عدم إعتداء ضمنى مع نظام الأسد فى بداية الثورة السورية حتى شهور قليلة سابقة، ومن جهة أخرى أخرى، يقول بعض النشطاء الأكراد والمحللون السوريون أن حزب الإتحاد الديمقراطى لم يدعم الثورة السورية لأن المعارضة الديمقراطية فى سوريا لم تدعم حق تقرير المصير للأكراد، ما موقف المعارضة الديمقراطية السورية من حق تقرير المصير بالنسبة للأكراد؟، وما العلاقة بين حزب الإتحاد الديمقراطى الكردى والثورة السورية؟
صالح: لا يوجد موقف واضح من قبل الأحزاب السورية الديمقراطية تجاه التطلعات الكردية، وفى نفس الوقت لا يوجد تعبير جلى لهذه التطلعات من قبل المنظمات الكردية المختلفة، لكن يبدو لى أن أغلبية الأحزاب الديمقراطية فى سوريا يدعمون الثقافة والحقوق السياسية للأكراد، لكن عندما نأتى للإنفصال، فمعظم الأحزاب تعارضه، وهذه الأشياء يجب أن تُحل بنوع من أنواع الحكم الذاتى، هذا المفهوم نظل فى إحتياج إلى بنائه ومناقشته.
لكنى لا أفهم كيف أن هذه الأوضاع المتقلبة يمكن أن تستخدم كذريعة للإنحياز إلى نظام لم يعترف مرة واحدة بوجود سكان أكراد (8-10% من السوريين) فى سوريا، ناهيك عن حقوقهم، أنى متوجس من أن تكون رؤية حزب الإتحاد الكردى فى سوريا هى نفس وجهة النظر الذى يتبناها حزب العمال الكردستانى فى تركيا هذا خطأ فادح، على الرغم من أن الحكومة التركية تتحمل نصيبها من المسؤولية من الوضع فى سوريا، إلا أن الحقائق الجغرافية والديموغرافية والتاريخية تختلف فى تركيا عنها فى سوريا، فإستيراد خبرة حزب العمال الكردستانى التركى إلى سوريا ضارًا بقدر ضرر تدخل الحكومة التركية فى التعامل مع أكراد سوريا.
كما أن دور حزب الإتحاد الديمقراطى فى الثورة السورية كان هزيلًا، فهم قاتلوا داعش فى 2013 وما بعدها، لكنى متخوف من أن تكون سياساتهم القومية دفعت بعض العرب فى المنطقة إلى الإنضمام إلى داعش.
فريدا: سميرة الخليل، إشتراكية ونسوية وناشطة فى مجال حقوق الإنسان، وهى أيضًا زوجتُك، اختطفها سلفيين فى ديسمبر من العام 2013، بجانب ثلاثة نشطاء آخرين، رزان الزيتونة، وناظم حمادى، ووائل الحمادة فى دومة قرب دمشق، ومنذ ذلك الحين، لم تتلق أى معلومات عنهم، وفى مقالة لك، كتبت: "أنهم يمثلون قيم الحرية الأصيلة للثورة السورية فى شخوصهم، وأعمالهم، وتاريخهم"، كما أن سميرة ورزان يمثلون الدور الأساسى للمرأة فى الثورة السورية، أخبرنا عن أعمال سميرة ورزان فى مجال الدفاع عن حقوق النساء فى سوريا بشكل أكبر.
صالح: لا أود أن أضع سميرة فى قالب أسطورى، لكنى اتبين فى كل يوم أنها رمزًا عظيمًا من رموز مأساتنا، كانت سجينة سياسية بين 1987 – 1991، لكونها عضو نشط فى احد الأحزاب الشيوعية (لم يكن الحزب الذى كنتُ عضوًا فيه)، وهذا يظهر لماذا كانت سميرة رمزًا لإستمرارية الصراع لجيلين، كذلك تنتمى للطائفة العلوية ودائمًا ما كانت معارضة عنيدة للنظام الذى يربطه صلة خاصة بطائفة العلويين، ولهذا السبب، تعد رمزًا من رموز عدم الطائفية، هى ومعها رزان لم يرتديا غطاء الرأس فى الأماكن التى تسيطر عليها السلفية المحافظة، ولهذا كانت دائمًا رمزًا للنساء السوريات، فكانت تصر على أن تكون اخلاقية، ومن الممثلين الدائمين للصراع من أجل الحرية والتغيير، سميرة شخص ملىء بالإنسانية والحب للناس، شخص يعيش من أجل الناس ويصارع من أجل الناس، وهذا ما جعلها رمزًا للمأساة السورية، ولهذه الإعتبارات، سميرة لا نظير لها فى سوريا.
رزان من الجيل الأصغر، هى إمرأة شجاعة وكاتبة جيدة، وتمثل الأخلاق العظيمة فى صراعنا من أجل الحرية، عملت على تثوير مجال حقوق الإنسان فى سوريا، ونقلته للناس، المضطهدين والفقراء، والطبقة غير المرئية من السكان، قبل رزان، كان نشاط حقوق الإنسان يقتصر على الطبقة المتعلمة جيدًا والطبقة المقربة من دوائر السياسة والحكم.
اختطاف سميرة ورزان يمثل الطابع المزدوج للمعركة التى يخوضها السوريون، ضد نظام الاسد الفاشى من جهة، وضد الفاشيين الإسلاميين طويلى اللحية من جهة أخرى، المرأتين كانتا بطلتين فى الصراع السورى من أجل الحرية، على المستوى السياسى وعلى المستوى الثقافى والإجتماعى.
فريدا: فى العام 1980، عندما كنت تدرس الطب فى حلب، قُبِضَ عليك لاعتبارك ناشطًا شيوعيًا، واعتبرت سجينًا سياسيًا، ولستة عشر عامًا عانيت مصاعب عدة، وفى كتابك المنشور أخيرًا، "بالخلاص ياشباب.. 16 عامًا فى السجون السورية"، قلت أن السجن أضاف لك خبرات قادتك إلى بداية جديدة أو ولادة جديدة، من فضلك وضح لى ما كنت تقصده، كيف تغير مفهومك عن الإشتراكية، وما تعنى الإشتراكية بالنسبة لك؟
صالح: كتابى عن السجن نُشر عام 2012، أى بعد 16 عامًا من مضى 16 عامًا أخرين على خروجى من السجن، وقلت فى هذا الكتاب، أن هذه الأيام الطويلة من الإقصاء كانت - بطريقة ما - بمثابة طفولة ثانية لى، الطفولة الأولى لم تكن كافية، أن تعيش طورين من الطفولة هذا امتياز رائع: طفولة تعلمك الكثير بينما أنت موضوع تحت الوصاية، بالتأكيد تتحمل الكثير، يجب أن تضحى بطفولة من أجل الأخرى، وقد عانيت الكثير من أزمات التضحية فى السجن، والتى بدلتنى فى النهاية لأن أكون طفل السجن.
لم يكن هذا بينما كنت فى السجن، لكن بعد خروجى منه، وبعد أن أصبحت كاتبًا، أدركت أن السجن كان تجربة تحررية بالنسبة لى، حيث تحديت وكسرت بعض السجون الداخلية، تلك التى تقبع فى الإنتماءات السياسية، أو المنظور الإيديلوجى الصارم، أو الأنا المطلقة، سجن الغضب والكراهية واليأس.
وفى نفس الوقت، كنت أكره بشدة، كونى الشيوعى السابق الذى تحول لليبرالية، أو رجع مرة أخرى للحضن الدافىء لمجتمعه الطفولى، لكنى لم أكن أحتقر الليبرالية، كنت فقط متمسك بالقيم الجمهورية التى أعتقد أنها تكون أسس الإشتراكية: الحرية والإخاء والمساواة.
وفى الأيام الطويلة فى السجن، طورت منظورا يرى أن تغيير الملكية دون تملك التغيير... هو اشتراكية، فالتغيير المناسب، من جهة، أن يحوز الناس السياسة، أن يجمعوا وينظموا أنفسهم، أن يحتجوا علنًا وأن يتصرفوا فى مساحاتهم العامة بفاعلية، أن يكون لهم الحق فى الكلام فى الشان العام، أعنى أن يمتلكون القدرة على الكلام فى الشأن العام وفى نفس الوقت، القدرة على التغيير فى جدول أعمال الخطاب العام.
ومن جهة أخرى، أعتقد أننا يجب أن نولى اعادة النظر فى الأسس المعرفية اهتمام حيوى، وما هو الصحيح وما هو الخاطىء، لأن تحديدك لما هو صحيح من الممكن أن يعطيك الحق لحكم الناس بالطريقة التى يتم تعريفها من قبل نخبة صالحة أو حزب، المرء لا يمكنه أن يكون يساريًا دون اعادة النظر فى القضايا التى تتعلق بالصواب والخطأ، لا يمكنك أن تكون محكومًا بعقيدة تفسر لك الحقيقة المطلقة، وتكون - فى نفس الوقت - يساريًا فى السياسة، فالمرء يمكن أن يكون على خطأ معرفى ( غير تقليدى – مهرطق – منشق)، لكنك لا تكون يمينى فى السياسة أو ممثل عن ظلم البشر، أنى قليلُا ما أستخدم مصطلح الاشتراكية فى أعمالى، لكنى أعتقد أنها يجب أن تعود على الناس الذين يجرون تغييرًا مناسباً فى مجتمعاتهم، من بينها التغيير الاقتصادى، لكن التغيير لا يمكن أن يتحدد بالتغيير الاقتصادى فقط، فالتغييرات السياسية والمعرفية مساوين فى الأهمية.
فى نفس الوقت، لا يجب أن ندافع عن المساواة أمام القانون وننسى المساواة نفسها عندما يغيب القانون، أعنى الإجراءات العامة لتطور القانون، هذه هى المساواة السياسية طبقًا لمفهوم ميشيل فوكو، أن المثالية فى المساواة أمام القانون وعند صنع القوانين، سلطة الإنسان لا يمكن أن تتحقق بدون ذلك، أنا أفضل أن اعطى الاشتراكية هذا المعنى.
فريدا: ماذا يمكن لنشطاء العدالة الاجتماعية فى ايران والمفكرين أن يتعلموه من الثورة السورية؟، كيف يمكننا إقامة العلاقات بين صراع العدالة الاجتماعية فى سوريا وايران؟
صالح: فى رأيى أن أهم شىء هو الربط بين السياسات التوسعية الخارجية والسياسات الداخلية القمعية، فالايرانيين لا يستطيعون مقاومة الظلم فى بلدهم بينما يتجاهلون – لاعتبارت قومية أو اية اعتبارات أخرى – الحاجة العاجلة لمقاومة السياسات الامبريالية لبلدهم، أعنى أن عليهم أن يدينوا السياسات التوسعية لبلدهم تجاه سوريا، فحق انتقاد المعارضة السورية – وأنا أول المنتقدين القاسيين لها - مشروطًا بتحديد موقف واضح ومسؤول تجاه التدخل الإيرانى ونظام الأسد، فكلما زاد الدور الايرانى فى سوريا، كلما زادت مواجهة الحكومة الايرانية مع شعبها وجها لوجه.