top of page
Search

خارج المكان.. أكراد سوريا بين الحرب والسلام

  • Writer: Ahmed Ellaithy
    Ahmed Ellaithy
  • May 14, 2016
  • 4 min read

ترجمة: أحمد ليثى

أى شخص يبحث عن بقعة ضوء فى نهاية النفق المظلم للكارثة السورية، لن يجد مكانًا أفضل من الذهاب إليه سوى شمال شرقى البلاد، أنشأ نحو من 2,2 مليون كردى شبه دولة تحظى بالأمان التام، وغير معروفة فى الخارج على نطاق واسع، وليس هناك قنابل تُقذف من قبل فوات بشار الأسد، ولن تجد جلادو داعش يجبرون النساء على ارتداء النقاب. ولا القوات الجوية التركية التى تجعل السكان يخرجون من مساكنهم، كالهجوم التركى الذى حدث على الميليشا الكردية عبر الحدود فى العراق.

بالطبع، الأمان مفهوم نسبى، فتفجير المركبات والهجمات الانتحارية التى ينفذها قتلة داعش، تأخذ فى الغالب أرواح المدنيين الأكراد على مدى 250 ميلًا بين نهرى دجلة والفرات، لكن الجزء الباقى من البلاد لا يزال آمنًا.

2,2 مليون كردى يشكلون نحو عشر عدد سكان سوريا. تظاهروا خلال احتجاجات العام 2011، أو ما سمى بالربيع العربى، كنظرائهم العرب فى المدن السورية الأخرى، وطالبوا بالإصلاح فى مدينة "القامشلى"، أكبر مدينة فى المنطقة بأسرها، لكن الأسد وعلى عكس المتوقع كان أكثر تسامحًا معهم مما كان عليه مع المتظاهرين فى المناطق الأخرى، وهكذا، أعطى الجنسية السورية لحوالى 300 ألف كردى عديم الجنسية، وفى يوليو 2012، قرر سحب معظم قواته من المنطقة على أساس أنه يحتاجها بشكل أوسع فى قلب الأراضى السورية، حلب ودمشق وما بينهما.

قامت الميليشيات الكردية التى عرفت باسم قوات حماية المواطنين بتنظيم سريع لنفسها، ودعمت قواتها بالأكراد مما هم تحت سن الثلاثين، وتولوا التحكم فى المنطقة، قسّموا أنفسهم إلى ثلاث كانتونات، فى المنطقة المسماه كردستان السورية، كما هناك أكراد آخرون فى تركيا وإيران والعراق.

على مدى الثلاث سنوات التالية، شكل الأكراد أنفسهم بشكل أكثر احترافية، وأنشأوا قوات حربية خفيفة التسليح، وأسسوا نظام حكومى فعال للحكومة المحلية، منعت تركيا اللغة الكردية ورفعتها من المناهج فى عام 1991، استوطن الأكراد سوريا لعقدين من الزمان، مارسوا فيها التحدث باللغة العربية، وهكذا ستجد أن معظم البالغين من الأكراد يتكلمون اللغة العربية بطلاقة، لكن الآن الأكراد مسؤولين عن دويلتهم، ونتيجة لذلك، أنعش القادة الأكراد استخدام اللغة الكردية مرة أخرى فى المدارس ومحطات التلفزيون والراديو.

تنتمى اللغة الكردية، "الكرمنجى" إلى عائلة اللغات الهندية الأوروبية، قريبة من الفارسى لكنها ليس قريبة من التركية أو العربية، الأكراد يحتفلون بعيد السنة الجديد، عيد النيروز فى بداية فصل الربيع من كل سنة.

يتحدر الأكراد بصفة أساسية من الجبال، وكانوا قد هاجروا من بحيرة وان فى تركيا الشرقية، محاربهم الأشهر صلاح الدين، الذى استعاد القدس من أيدى الصليبيين، وفرض نظام صارم على طول البحر الأبيض المتوسط فى القرن الثانى عشر الميلادى، فاستوطن - تبعًا لذلك - عدد منهم دمشق وحلب.

لم تكن الهوية الكردية مهددة بالزوال تحت حكم الإمبراطورية العثمانية، غير أنه كان من الطبيعى عندما انهارت الإمبراطورية بعد الحرب العالمية الأولى أن يمنى الأكراد أنفسهم بإنشاء دولة مستقلة. وطبقًا لمعاهدة سيفر، تعهدت بريطانيا والدول العظمى بإنشاء وطن قومى مستقل للأكراد، لكن رفض القائد التركى، كمال أتاتورك حال دون ذلك، ما أجبر تلك الدول العظمى على الإنصياع لرغبته، كما عمل أتاتورك على تهميش الأكراد. بعد عدة محاولات للتمرد من قبلهم فى العام 1920، ونتيجة لفشل تلك المحاولات، قرر الأكراد النزوح إلى سوريا، عندما كانت تحت الانتداب الفرنسى، وذابت الأقلية الكردية ضمن الأكثرية العربية، وكانوا مشهورون بتولى الوظائف فى الجيش والشرطة.

لكن حلم امتلاك دولة مستقلة للاكراد لم يتلاش، فالأكراد يمثلون نحو من 32 مليون شخصًا حول العالم، وهم المجموعة الإثنية الأكبر. على أن المحافظة على ذلك الطموح هو العامل الأهم الذى جعل الأكراد يتحملون مواجهة عقود من القمع والكبت، فى أربعة دول مختلفة. بعد العراق الذى تمتع فيها الأكراد بالحكم الذاتى فى شماله، فى العام 1991، وتعرضهم للقمع فى تركيا من أجل عدم تمكينهم من تحقيق استقلالهم، وجد الأكراد فى سوريا عام 2011 أول فرصة حقيقية لتحقيق استقلالهم. لدى الشعب الكردى الآن على كل مستوياته رغبة قوية فى نفض كل تلك الضغوط التى تعرض لها فى العقود الماضية، واستعادة تراثه القومى مرة أخرى، خاصة اللغة الكردية والأدب الكردى، والاحتفال بعيد النيروز، فضلًا عن الموسيقى والرقص الكردى، فالشعب الكردى فى سوريا يهتم بالهوية الوطنية مثلًا، أكثر من اهتمامه بالدين. معظم رجال الدين الأكراد صوفيون وينتمون لفرع السنة فى الإسلام، وعلى ذكر الثورة العربية فى سوريا التى تحدث ضد الأسد، لم نر واحد من الأحزاب السياسية الكردية يدعى لنفسه أنه حزب إسلامى.

بدلًا من الاهتمام الدولى الذى أعطى للحرب السورية من قبل الاعلام العالمى، لم يكلف الدبلوماسيون أو رجال الأعمال أنفسهم، ليس سوى بعض الصحفيين، الذهاب إلى كردستان سوريا، التغطية الأولى جاءت فى سبتمبر من العام الماضى، من خارج الأراضى التركية. ذلك بعد أن اجتاحت قوات داعش الشمال آتية من الرقة، المقر الرئيسى المعلن للخلافة، وانطلقوا فى هجوم مفاجىء على اقليم كوبانى الكردى، أسروا العديد من القرى الكردية، وأعدموا عدد من الناس الذىين لم تواتهم الفرصة للهرب، وانتقلوا بعد ذلك إلى المدينة الكبيرة بكوبانى، التى تقع على الحدود السورية التركية.

قاومت قوات حماية المواطنين بكل ما يمكنها من قوة، بمساعدة الحزب المحنك، حزب العمال الكردستانى، وبعد مناشدة يائسة من قبل قوات حماية المواطنين، تدخلت واشنطن وحلفائها فى المنطقة الكردية شمال العراق، وبدأت أمريكا قصف مواقع داعش فى كوبانى، وانضمت قوات كردية تدعى "البشمرجة" أتت من العراق إلى القتال، وعلى الرغم من الضربات الجوية لأمريكا، استمرت داعش فى تقدمها، ودخلت بالفعل مدينة كوبانى، كما جائتهم تعزيزات من مركز الخلافة فى الرقة إلى أرض المعركة.

انتصر المقاتلون الأكراد تدريجيًا، وفى يناير من العام الجارى، انسحبت قوات داعش من أماكنها، وتطلب إجلائها من قرى جنوب كوبانى مدة ثلاثة أشهر، كما أن الالاف من مقاتلى داعش ماتوا على يد الأكراد، واظهرت قوات حماية المواطنين بسالة وشجاعة غير عادية، وأثبتوا أنهم من أنجح المجموعات التى يمكن لأمريكا التحالف معها، لكن كان هناك درس آخر يجب علينا أن نتعلمه، وهو أن استخدام سلاح الجو لم يكن مؤثرًا بقدر ما كان سلاح المشاة، خاصة المشاة من سكان البلاد.

وفى شهر يوليو من العام الحالى استطاعت قوات حماية المواطنين بمساعدة سلاح الجو الأمريكى، أن يطردوا قوات داعش من تل أبيض، وهى قرية أخرى من قرى الحدود مع تركيا، ما يعنى أن داعش فقدت نقطتين من أهم ثلاث يمكن أن تستخدمها ليعبر منها المتطوعين الأجانب، والأموال، والأسلحة لتعزيز الجهاد.

أخبرنى إدريس ناسان، المتحدث الرسمى لإقليم كوبانى أن قوات حماية المواطنين تخطط حاليًا للإستيلاء على النقطة الثالثة فى بلدة جرابلس، وهى آخر نقطة يمكن أن تستخدمها داعش لجلب المساعدات من الخارج. قوات حماية المواطنين موجودة فى الضفة الشرقية من نهر الفرات، ومن الصعب عليها التقدم، لكن نجاحها فى التقدم سيكون ضربة استراتيجية لدعاش، وستحدد قوتها.

من جانبهم، قال الأتراك أنهم يريدون منطقة حظر طيران تشرف عليها القوات الجوية التركية مع بعض الطائرات الأمريكية، لعزل المنطقة التى تمتد من جرابلس إلى عزاز، فضلًا عن أن الأكراد يريدون الاستيلاء على تلك المنطقة من داعش والجهاديين. يدعى المسؤولون الأتراك فى أنقرة أن إقامة منطقة حظر جوى سيحمى المدنيية السوريين من هجمات قوات الأسد الجوية، لكن الأكراد يرون المشهد بشكل مغاير، ويذهب رأيهم إلى أن الأتراك أصروا على إقامة منطقة حظر جوى حتى يتمكنوا فى قصف قوات حماية المواطنين الكردية إذا دخلت إلى تلك المنطقة.

عن نيويورك ريفيو أوف بوكس

© 2023 by EDX. Proudly created with Wix.com

bottom of page