top of page
Search

"غرابة فى عقلى".. رواية تاريخية أم موسوعة لاسطنبول

  • Writer: Ahmed Ellaithy
    Ahmed Ellaithy
  • Apr 13, 2016
  • 3 min read

ترجمة: أحمد ليثي

استلزم تأسيس تركيا عام 1923 على يد مصطفى كمال أتاتورك وزملائه الضباط إجراء قطيعة وهمية عن جذورها العثمانية، وبرغم أن الحكام العثمانيون قد عمدوا إلى تغريب دولتهم، إلا أن الدولة الوليدة قدمت نفسها كمعارضة لماضيها العثمانى فى السياسة والأزياء والكتابة والعادات، وحتى طريقة الحديث، أتاتورك نفسه سعى إلى الاستخفاف بالتقاليد المحلية التى رسخها الحكام العثمانيون لفترة طويلة من الوقت. لكن الأدب الذى نشأ فى الماضى كان أدب حديث بلا شك، ذلك أن جذوره جاءت من أوروبا فى القرنين التاسع عشر والعشرين، خاصة من فرنسا، فكتّاب مثل بودلير وبلزالك، وإميل زولا لابد أن تجدهم فى مكتبات الشباب الأتراك.

برغم أن أغلب روايات باموق تعود إلى متابعة النبش فى ذلك الماضى المدان (القلعة البيضاء، أسمى أحمر)، أو تنظر إلى المآسى المعاصرة بعيون منفتحة كروايته (ثلج)، لكن الشخصية الرئيسية التى تميز معظم ادبه الهام هى مدينة اسطنبول نفسها، حيث وُلد عام 1952. تظهر فى روايته الاولى "جودت بك وأبناؤه"، وروايته اللاحقة "الكتاب الأسود"، حتى رواية "قصة اسطنبول"، التى روى فيها حكاية اسطنبول من خلال شخصيات غربية ثرية، وفى روايته الجديدة "غرابة فى عقلى" التى ترجمها "اكين أوكلاب"، أخذ باموق الثيمة نفسها، لكن من خلال عينىَ بائع متجول، ميفلوت الذى يتاجر فى اللبن الرائب، والأرز والبازلاء، والبوظة، المشروب التركى الرمزى المصنوع من القمح المخمر. يتابع القارىء ميفلوت من خلال قصة ممتدة، تشق طريقها داخل وخارج مناطق اسطنبول الفقيرة وأزقتها القديمة وممراتها، وعلى انك تقرأ رواية تتراوح أحداثها بين التاريخ المدون والذكريات الشخصية، لكن "غرابة فى عقلى"، فوق ذلك هى خطاب حب لمدينة اسطنبول بضعفها وفوضويتها ومجدها الغابر.

شُيدت كأنشودة لأصوات متعددة، سمحت الرواية لكل شخصية ان تحكى نصيبها فى حكاية ميفلوت، إذ وُلد عام 1957 فى قرية فقيرة ضمن قرى مقاطعة قونيا، التى تبعد 700 ميلًا جنوبى شرق اسطنبول، ترك بيته عندما كان عمره 12 عامًا ليتبع والده إلى اسطنبول. بدآ معًا هناك قصص نجاحات وفشل فى التعليم، والأعمال الصغيرة، والاشتباكات السياسية. فى واحدة من زياراته لاقربائه، وقع ميفلوت فى حب فتاة تبلغ من العمر 13 عامًا، وخلال 3 سنوات مديدة، كان ميفلوت يكتب إليها خطابات الحب ويعهد بها إلى أخيها، سائلًا منه زواجها، وبالفعل نظّم أخيها طريقة لهربهما، وكان كل شىء معدًا للفرار، لكن قبل أن يستقلا القطار، اكتشف ميفلوت أن الفتاة التى أحضرها الأخ لم تكن تلك التى أحبها، ولكنها أختها الأكبر. لم يقل ميفلوت شيئًا وتقبل قدره، وحاول جاهدًا أن يستوعب الحب الجديد الذى نشأ نتيجة خدعة. لم يكن سلوكه هو الاستسلام فى ذلك الموقف، لكن الامتنان للهدايا الغير متوقعة، كانت حياة ميفلوت سلسلة متصلة من الاعترافات السخية والقبول المدهش بقدره.

فى مذكراته "اسطنبول: المدينة والذكريات"، كتب باموق تعبيرًا عن احترامه للروائى أحمد حمدى طابينار الذى كان يعيش فى أوائل القرن العشرين، والذى عمد إلى وضع اسطنبول مركزًا لرواياته، فالرواية الأهم لطابينار "مؤسسة ضبط الساعة" (المنشورة ضمن كلاسيكيات بنجوين) يظهر فيها المرح الصاخب للمدينة ولتاريخها المتشظى، لكن طابينار كتب رواية أخرى تعد استغاثة حنين لاسطنبول على الطريقة البروستية (نسبة إلى مارسيل بروست) وهى "عقل فى سلام". لكن أصداء الملحمة الحضارية فى أعمال طابينار يمكننا أن نسمعها أيضًا فى "غرابة فى عقلى". باموق أخذ عنوان روايته من مقطع لـ"ووردزوورث" الذى قال فيه: "إحساس لم أشعر به فى تلك الساعة، ولا ذاك الزمان"، ميفلوت لديه تلك الحالة من الوجود أيضًا، فهو ليس قديسًا، لكنه غريب، لا منتمى، يرفض الجشع والأنانية الموجودتان فى مجتمعه.

فى رواية باموق الأولى "البيت الصامت"، كان يحكى عن شاب يواصل خطة أبيه وجده الطموحة بتأليف موسوعة عن كل شىء. وروايته الأخيرة "غرابة فى عقلى" تعد تقريبًا موسوعة، فهى تحوى مجموعة واسعة من الشخصيات والأحداث، والبيوت، والطعام، يدرك معها القارىء عبر 600 صفحة، أنها مجمعة فى اسم اسطنبول.

© 2023 by EDX. Proudly created with Wix.com

bottom of page