قضايا معاصرة فى الإسلام
- Ahmed Ellaithy
- Sep 10, 2015
- 4 min read

ترجمة: أحمد ليثي
من المؤكد أن الإسلام لديه قضاياه، تلك القضايا التى تعتمد بشكل أساسى على هوية المرء والتزاماته. يعد الإسلام فى نظر الكثير من الغربيين مقاومًا للديمقراطية، والحرية، وحقوق النساء، وفى الوقت نفسه يميل إلى العنف والظلم. لكن هناك العديد من المسلمين الذين استطاعوا نقد هذه الأنماط الجاهزة عن طريق الحوار، بعضهم ألّف كتبًا بالإنجليزية تتصدى لذلك الموضوع، ولحسن حظنا، فإن آخرهم كان كتاب قضايا معاصرة فى الإسلام لـ "أسما أفساردين"، الذى يقدم نظرة ليبرالية للإسلام، مفادها، أنه يمكن للإسلام أن يكون ديمقراطيًا، ومسالمًا، وداعمًا لحقوق المرأة، ومشاركًا فعالًأ فى الحوار بين الاديان.
لكن كيف فعلت ذلك، قسمت أفساردين كتابها لفصول عدة، منها الإسلام والسياسة، والإسلام والنوع، الإسلام وصناعة الحرب، الإسلام وصناعة السلام، والإسلام وحوار الأديان، طبقت النظرة التفسيرية الليبرالية التى تميز بها أسلافها لشرح الآيات القرآنية، ما جعلها تقف جنبًا إلى جنب مع مجموعة هامة جدًا من المثقفين المسلمين، وترى ان معظم من قرأوا القرآن، سواء فى الماضى أو الحاضر، لم يقرأوه بطريقة ملائمة، فقد تعرض فهمهم لإساءة تفسير وعمد إلى إلغاء قدر كبير من الآيات الأكثر أهمية، وفشلوا فى تقدير وفهم التعاليم الشاملة للقرآن. لكن مع استعادة القرآن لمكانه الملائم، وإبراز التفسير الكلاسيكى الذى يملك وجهات نظر متناغمة مع المعايير الليبرالة المعترف بها على نطاق واسع، تبين أفساردين، أن كم كبير من القضايا الإسلامية يمكن أن تحل، أو على الأقل تتحسن.
مثال واضح على ذلك، التفسير الذى تبنته أفساردين للآية 71 من سورة التوبة: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم". طبقًا لأفساردين، التى ترجع هذا التفسير إلى أستاذة القانون الأمريكية عزيزة الحربى، أن التفسير الواضح لتلك الآية، هو تأسيس المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، واعتبارهما شريكين فى مجتمع واحد، يدعون إلى الخير من خلال الإلتزامات المجتمعية تجاه الله.
ومثال آخر على ذلك، هو الآية 95 من سورة النساء: "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ"، لطالما استخدمت تلك الآية لتأبيد السلطة السياسية للحكام المستبدين، لكن أفساردين، أظهرت كيف أن المفسرين القدماء وأيضًا العديد من المفكرين المعاصرين، كانوا يتبنون أن المقصود بتلك الآية هو السلطة الدينية وليس السلطة السياسية، لكن الجهود التى سعت لتبيئة تلك الآية لتأسيس دولة إسلامية ذهبت أدراج الرياح، ذلك أن تلك الجهود لم يكن لديها الكثير لتفعله مع السلطة السياسية.
وبشكل عام، الكتاب يدعم القارىء بدليل مفيد لمجموعة من المفكرين المسلمين الحداثيين، وبشكل خاص السنيون الذين يعيشون فى الشرق الاوسط (المفكرين الشيعة غابوا عن الكتاب)، لكن أفساردين تعرف هؤلاء المفكرين بأنهم: "مسلمون شديدى اليقظة، تركزت قضيتهم على إعادة تفسير المبادىء الإسلامية، لتتماشى وفق المبادىء الليبرالية الحديثة للحكومات الديمقراطية، والمجتمع المدنى، والمساواة بين الجنسين، دون أن تكون بالضرورة تركيباتهم العقلية موافقة للسياق الغربى.
كما أنها عرفت القراء بالمفكر الليبرالى جمال البنا الذى توفى عام 2013، والمفكر السياسى على عبدالرازق، صاحب كتاب الإسلام وأصول الحكم، ولمراعاة التوازن بين الجنسين، قدمت أيضًا المفكرة أمينة ودود، وهؤلاء الثلاثة كانوا يروجون لفكرة أن الجهاد فى الإسلام ما هو إلا صناعة السلام.
أفساردين واحدة من المفكرين القلائل الذين دعوا إلى رفع التوتر عن القرآن، وتخليصه من العادات التى ترسخت فى المجتمعات والكتب، فقبل نحو قرن من الزمان، دعا المجدد الإسلامى الشهير الشيخ محمد عبده لدعوة مشابهة، وتبعه فى تلك الدعوة تلميذه، السيد محمد رشيد رضا، الذى عرف عنه أنه كان يعمل على وضع تفسير شامل للقرآن، لكن القدر لم يمهله، وأطلق المفكر الباكستانى "فضل الرحمن" دعوة التجديد خلال كتابه (قضايا أساسية.. القرآن والإسلام والحداثة)، الذى أشادت به أفساردين إشادة بالغة فى كتابها. أما عمل أمينة ودود الرائد فى هذا المجال، فكان القرآن والمرأة، الذى عمد إلى التركيز على القرآن فقط دون النصوص التراثية الأخرى. طوال القرن الماضى، كان هناك محاولات لإعادة التفكير فى قراءة بكر للنص القرآنى، وفى هذا السياق، اكدت أفساردين أن المشروع الحداثى للإسلام لا يزال أمامه الكثير، وبرغم ذلك، فإن نتائجه لن تكون مقبولة على نطاق واسع.
لكن يجب علينا هنا أن نطرح السؤال التالى، لماذا تظل نتائج هذا المشروع الحداثى الذى يكون القرآن هو مركزه الأساسى فى إيجاد قبول فى المستقبل القريب؟، لم تهتم أفساردين فى كتابها بإيجاد إجابات لتلك الأسئلة، لكنى يمكننى أن أقترح عاملين هما السبب الأساسى فى قبول المسلمين هذه المحاولة على نطاق واسع.
أولًا: أن هناك آيات من القرآن ليست ذات روح ليبرالية، كما أنها تشجع على العنف، لا يحتاج المرء سوى أن يطلع على العديد من مواقع الانترنت الجهادية، ليرى أن هناك رؤية مؤسسة على القرآن ، ومختلفة كليًا عن تلك التى تعرضها أفساردين فى الكتاب، صحيح أنها واجهت بعض من تلك الآيات بقراءة مغايرة، لكنها لم تلتفت إلى الكثير من الآيات على تلك الشاكلة. ولحسن الحظ، لا يقرأ معظم المسلمين القرآن على أنه يحض على العنف، على الرغم من أن هناك قلة منهم يقرأونه هكذا. فى الحقيقة أنه كان هناك رفضًا صريحًا لاستخدام العنف ضد غير المقاتلين، أو الانتحار فى تعاليم النبى محمد، فى الأحاديث وليست فى القرآن. وعلى الرغم أن أفساردين أكدت على أن المفكرين المسلمين الحداثيين منهم من لا يقبل الأحدايث بشكل كامل، ومنهم من لا يقبل أحاديث بعينها، إلا أن هناك خلل فاضح فى التعامل مع أحاديث النبى فى الكتاب، ما يؤكد ذهابنا، إلى أن المفكرين المسلمين لا يعرفون بالضبط ماذا سيفعلون بالعديد من أحاديث النبى.
ثانيًا: أن تلك القراءة الحداثية للقرآن تتجاهل العمود الأساسى للشريعة الإسلامية (الفقه)، ذلك أن معظم القضايا التى يناقشها الكتاب المتعلقة بالسياسة أو الحرب، أو المساواة بين الجنسين هى قضايا فقهية. فمجموعة من الأدبيات التى يناقشها المسلمون حتى اليوم ويدافعون عنها تتعلق بقضايا موجودة فى مكتبة ضخمة من التراث، كتبها علماء الدين وحوت تعليقاتهم وتفسيراتهم، خلال الالف عام الماضية، الشريعة الإسلامية تتكون – من بين أشياء اخرى – من مجموعة متنوعة من التعليمات التفصيلية، التى توضح للمسلم كيف يمارس الإسلام. كما أن الفقهاء المسلمين كانوا دائمًا ما يعتدون بالعديد من المدارس الفقهية، وعامة كانوا يحترمون تلك التى توافق طائفتهم، واليوم هذا التقليد القانونى الإسلامى الذى يسمى شريعة، عمل على التأكيد على العنصر الإلهى للشريعة الإسلامية، دون الإنتباه إلى الدور الكبير للإنسان فى صياغتها، ولنتحدث بشكل أصح، علينا ان نعلم أن الله هو الذى أنزل الشريعة – كما يعتقد المسلمون – لكن معظم الفقهاء يعتقد أن الشريعة التى أنزلها الله لا سبيل إلى تحديثها (بما فى ذلك القرآن وآلاف الأحاديث النبوية)، وكان كل ما يفعله الفقهاء، هو القياس على القرآن والأحاديث، لتطوير وتحديث الشريعة.