الجزيرة - تيموثى قلدس
- تيموثي قلدس
- Aug 22, 2014
- 5 min read

أحد أهم الصراعات لتطوير أى نظام سياسى تشاركى، هو كيفية تحقيق التوازن بين الاهتمامات القومية وحاجات التجمعات المحلية.
ترجمة أحمد الليثى
من الممكن أن تكون التجمعات المحلية المنظمة آلية فعالة لحل المشاكل اليومية بطرق خلاقة مما يؤدى مباشرة لحل مشاكل المواطنين، ولقد أعجبت بالمجهودات العظيمة التى بذلها رفاقى المقيمين فى حى الزمالك لتحسين مجتمعنا الصغير فى السنوات الثلاث الاخيرة، كان هناك انفجار فى النشاط المجتمعى لمحاولة علاج التعديات على المساحات العامة بإنشاء مؤسسات صغيرة تعمل على إدارة النفايات، كما تم تأهيل الحدائق العامة التى اُهملت منذ فترة، وكان أبرزها حديقة الأسماك.
هؤلاء النشطاء المجتمعيون استطاعوا أن يحققوا خطوات هامة فى تنمية والحفاظ على جودة المعيشة فى الحى، لكن الشيء الأكثر أهمية من انجازاتهم، هو نجاحهم فى تكوين بنية أساسية لتجمع مجتمعى فعال يكون دوره معالجة المشكلات المستقبلية للحى.
وعلى الرغم من ذلك، فى بعض الأحيان يمكن لمطالب التجمعات المحلية أن تعيق وتقوض اهتمامات ومصالح الشرائح الأوسع للمجتمع، والصراع الذى حدث بشأن محطة مترو الانفاق المزمع إنشائها فى الزمالك خير مثال على ذلك.
المعاناة التى نجدها فى التعامل مع الحركة المرورية فى عاصمتنا الآخذة فى التوسع هو شيء يمكن أن نتفق عليه جميعاً كقاهريين ـ بمن فينا المقيمين فى حى الزمالك، فالتنقل عبر العاصمة بات عبئاً يشكل الكثير من التكاليف على اقتصادنا، البلايين من الدولارات سنوياً، ولذلك فإن إيجاد حلول لمشكلات النقل فى القاهرة هو خيار يجب جميعاً أن ندعمه، وبالطبع فإن تنمية المواصلات العامة هو أحد الحلول الفعالة لحل المشكلات المرورية.
يعد التوسع فى نظام مترو الأنفاق وبأسعار معقولة، أحد أفضل الطرق لتنمية النقل الجماعى عبر العاصمة، فقطارات المترو ليس لها تأثير على المرور، كما إنها يمكن أن تحمل عددا هائلاً من المواطنين عبر المدينة بإنتظام وبتكاليف زهيدة.
محطات مترو الأنفاق ليست فقط للمقيمين حولها، بل هى جزء من البنية الأساسية التى تخدم المدينة بكاملها، وفى النهاية، لا يمكن أن يكون حى الزمالك ملكية خاصة لسكانه، فالـ«جزيرة» مركز تجارى حيوى لعدد لا نهائى من الأعمال الصغيرة التى تخدم مصر فى العديد من المجالات، كالسياحة والنشر، فضلاً عن وجود المراكز البحثية والأعمال الأخرى، كما أنها المعقل الأول لكليات الفنون التى يدرس فيها آلاف الطلاب الذين يحتاجون للوصول إلى الحى لمباشرة دراساتهم، كما أن الحى مركز للكثير من المدارس، وبالتالى يمكن للتلاميذ البالغين أن يستفيدوا من هذه الوسيلة الفعالة للوصول إلى الجزيرة.
قسم من ساكنى الزمالك حارب وبكل قوة فكرة إنشاء محطة لمترو الأنفاق فى قلب الجزيرة، كما أن العديد من المقيمين فى الحى عرضوا العديد من الأسباب التى تفسر كيف إن إنشاء محطة للمترو فى الحى فكرة سيئة، وللأسف فإن معظم هذه الأسباب - واسعة الانتشار- طبقية وفاحشة.
كان هناك بعض السكان الذين شكوا من أن وجود محطة للمترو فى الزمالك من شأنه أن يعمل على زيادة الطبقة العاملة من الشباب، والذى سيؤدى بدوره إلى إزعاج وتكدير سلام المقيمين فى الحى، كما أن هناك بعض السكان الذين شكوا من أن ذلك سيقود إلى زيادة معدل التحرش الجنسى، القضية التى تؤرق معظم أنحاء العاصمة، وتعتبر من القضايا الأقل شأناً فى جزيرتنا.
جانب من الافتراضات تقول بأن الطبقة العاملة القاهرية ستخرب الجزيرة، وكان هناك جانب من سكان الحى يناقشوننى فى أن محطة مترو الأنفاق ستعمل - فى الواقع - على زيادة مشكلة المرور، وذلك بالطبع من أسخف ما سمعت، ذلك أن محطة المترو ستسمح للناس بالوصول للزمالك دون استخدام الأتوبيسات والميكروباصات التى تسد الشوارع الضيقة أصلا فى الحى، كما إنها تعيق المرور عند إنزال والتقاط الركاب، علاوة على أن سوء جودة قيادة سائقى تلك الحافلات معروفة وهى مشكلة تهدد السلامة سيساعد المترو على تخفيفها، حال اختيار المزيد من الناس الدخول والخروج من وإلى الجزيرة من خلال الأنفاق.
الخيط الأشهر من الحجج تلك التى تنتشر بواسطة المعارضين البارعين لانشاء محطة للمترو فى الزمالك، هو أن حى الزمالك غير قادر على دعم حفر الأنفاق اللازمة لإنشاء محطة للمترو.
وما فعله سكان الزمالك بهذا الشأن هو أنهم حشدوا خبراتهم لإعداد تقرير يساند ويدعم هذه الحجة، وبالنظرة الأولى لهذا التقرير فإن الحجة تبدو مقبولة، كما أنهم ادعوا أن هذا هو السبب الرئيسى فى أن إدارة المدينة اختارت أن تتجنب إنشاء محطة للمترو فى الزمالك.
ولكن بفحص دقيق، يتضح أن هذه الحجة ما هى إلا كذبة بينة، فخطط الأنفاق عُدلت، ومخططى الأنفاق صرحوا بأنهم لن يبنوا محطة لمترو الأنفاق فى الزمالك فى الوقت الحالى، ومع ذلك فإن نفق القطارات سيظل يعبر من خلال حى الزمالك، على أن يُسمح بإنشاء محطة للمترو فى قلب الجزيرة فى وقت لاحق.
فلو كانت المشاكل الهيكلية التى اُبرزت بواسطة نشطاء الحى صحيحة، فكان ينبغى على المخططين إعادة توجيه الأنفاق لتكون مناسبة للإدعاءات التى أبرزها سكان الحى، ولكن القطارات ستظل تعبر طبقاً للبنية التى وضعها المخططون، لكن دون الوصول للفائدة المرجوة من المواصلات العامة.
واحد من النزعات المقلقة لتنظيم أى مجتمع ناجح هى العلاقة المعقدة بين الامتياز والنفوذ، ومن الواضح النفوذ والتأثير اللذين يتمتع بهما سكان حى الزمالك فى الصراع الحاصل على إنشاء محطة للمترو داخل الحى، فلو افترضنا أن هناك نشطاء اجتماعيين فى حى بولاق قد سعوا إلى اعاقة عملية إنشاء محطة لمترو الإنفاق إلى جوارهم بحجة أن هذا غير مناسب للبنية التحتية للحى، فبالطبع سيتم رفض هذه الحجج وسيتم اتهامهم بالجهل وقصر النظر.
هذه المشكلة ليست قاصرة على مصر فقط، فعندما كنت طالباً فى جامعة جورج تاون فى واشنطن، شهدت عواقب طويلة المدى لمجتمع منعزل اعترض على إنشاء بنية تحتية لتسهيل النقل العام داخل الحى.
جورج تاون هى منطقة فى واشنطن مليئة بالمنازل الفاخرة وبنايات الشقق الصغيرة، ومنذ عقود مضت، كانت خطط إنشاء محطة لمترو الأنفاق قد أُعدت، لكن لوبى من ذوى النفوذ من سكان المنطقة قرر أن يعيق عملية إنشاء محطة المترو، وبالطبع فإن العواقب كانت وخيمة، فالمنطقة الاقتصادية المليئة بالمتاجر والمطاعم كانت بالتأكيد أقل ملائمة للمواطنين بالمقارنة مع أجزاء أخرى من المدينة، كما أن طلاب جامعة جورج تاون كانت لديهم خيارات محدودة فى التنقل من وإلى الحرم الجامعى.
ولذلك تم إجبار إدارة المدينة على تسيير رحلات من المناطق السكنية لمنطقة جورج تاون إلى أقرب محطات المترو فى الجوار، بالإضافة إلى الحافلات المكوكية التى تسير بين منطقة جورج تاون وأقرب محطات المترو، وبالطبع فإن الكثير من زائرى المنطقة كانوا يفضلون قيادة سياراتهم على التعامل مع الحافلات العامة.
كل الحلول التى نشأت كنتيجة لعدم إنشاء محطة لمترو الأنفاق فى منطقة جورج تاون أدت إلى كثافة المرور، ذلك إنه خلال ساعات الذروة يمكن أن تصل السيولة المرورية إلى الجمود التام، بالإضافة إلى التحدى غير العادى الذى يلاقيه الزائرون وسكان المنطقة فى موقف السيارات بالإضافة إلى ارتفاع التكلفة.
باختصار، إن غياب محطة لمترو الأنفاق لم يمنع الناس من القدوم إلى منطقة جورج تاون، وبكثافة أكبر، وكأنها نتيجة مُحكمة لرفض إنشاء محطة المترو، الأمر الذى أدى إلى خفض جودة المعيشة فى المنطقة، كما أدى إلى ارتفاع التكلفة للزائرين ولسكان المنطقة على السواء فى الوقت والمال.
الآن، معظم من تحدثت إليهم من سكان منطقة جورج تاون كانوا محبطين تماما من عدم إنشاء محطة لمترو الأنفاق فى المنطقة.
هذا مثال على العواقب الوخيمة التى يمكن أن تحدث للمجتمعات ذات الثراء الرافضة لإنشاء مشاريع البنية التحتية التى تخدم احتياجات المدينة، على الرغم أنه من المؤكد أن حى الزمالك سيستفيد من محطة مترو موجودة ضمن شبكة متقدمة للنقل عبر الأنفاق، كما أطالب رفاقى المقيمين فى حى الزمالك أن يتحلوا بقليل من البصيرة ليدركوا أهمية وجود محطة للمترو فى قلب حى الزمالك.
وأخيراً من الجيد أن نستدعى معاً كلمات "إنريكى بينالوسا" العمدة السابق لبوجوتا فى كولومبيا، عندما قال: "ليست المدينة المتقدمة هى التى يتنقل فيها الفقراء داخل سياراتهم، بل المدينة المتقدمة هى التى يتنقل فيها الأثرياء من خلال المواصلات العامة".
نُشر هذا المقال فى موقع مدى مصر